(وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) اختلف في تفسير المخالطة لهم ، فقال أبو عبيدة : مخالطة اليتامى : أن يكون لأحدهم المال ويشقّ على كافله أن يفرد طعامه عنه ، ولا يجد بدّا من خلطه بعياله ، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري ، فيجعله مع نفقة أهله ، وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان ، فدلت هذه الآية على الرخصة ، وهي ناسخة لما قبلها ؛ وقيل : المراد بالمخالطة : المعاشرة للأيتام ، وقيل : المراد بها : المصاهرة لهم. والأولى : عدم قصر المخالطة على نوع خاص ، بل تشمل كل مخالطة ، كما يستفاد من الجملة الشرطية. وقوله : (فَإِخْوانُكُمْ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي : فهم إخوانكم في الدين. وفي قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) تحذير للأولياء ، أي : لا يخفى على الله من ذلك شيء ، فهو يجازي كل أحد بعلمه ، ومن أصلح فلنفسه ، ومن أفسد فعلى نفسه. وقوله : (لَأَعْنَتَكُمْ) أي : ولو شاء لجعل ذلك شاقا عليكم ، ومتعبا لكم ، وأوقعكم فيما فيه الحرج والمشقة ، وقيل : العنت هنا : معناه الهلاك. قاله أبو عبيدة ، وأصل العنت : المشقة. وقال ابن الأنباري : أصل العنت : التشديد ، ثم نقل إلى معنى الهلاك. وقوله : (عَزِيزٌ) أي : لا يمتنع عليه شيء ، لأنه غالب لا يغالب (حَكِيمٌ) يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته وحكمته ، وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم.
وقد أخرج أحمد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والضياء في المختارة عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ؛ فإنها تذهب بالمال والعقل ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) يعني هذه الآية ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت التي في سورة النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (١) فكان ينادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قام إلى الصلاة : أن لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٢) قال عمر : انتهينا انتهينا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : كنا نشرب الخمر فأنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية ، فقلنا نشرب منها ما ينفعنا ، فنزلت في المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) (٣) الآية ، فقالوا : اللهم انتهينا. وأخرج أبو عبيد ، والبخاري في الأدب المفرد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : الميسر : القمار. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن ابن عباس قال : كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله ، فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله. وقوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) يعني : ما ينقص من الدين عند شربها (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) يقول : فيما يصيبون من لذتها ، وفرحها إذا شربوا (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) يقول : ما يذهب من الدين ، فالإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها ، فأنزل الله بعد ذلك : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) الآية ، فكانوا لا يشربونها عند الصلاة ، فإذا صلوا العشاء شربوها ، ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا ، وتكلموا بما لم يرض الله من القول ، فأنزل الله : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ) (٤) الآية ، فحرّم
__________________
(١). النساء : ٤٣.
(٢). المائدة : ٩١ ـ ٩٢.
(٣). المائدة : ٩٠.
(٤). المائدة : ٩٠.