للمسالمة ، وبالكسر للإسلام. وأنكر المبرد هذه التفرقة. وقال الجوهري : السّلم بفتح السين : الصلح ، وتكسر ويذكر ويؤنث ، وأصله من الاستسلام والانقياد. ورجّح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام ، ومنه قول الشاعر الكندي :
دعوت عشيرتي للسّلم لمّا |
|
رأيتهم تولّوا مدبرينا |
أي : إلى الإسلام ، وقرأ الأعمش : «السّلم» بفتح السين واللام. وقد حكى البصريون في سلّم وسلم وسلّم أنها بمعنى واحد و (كَافَّةً) حال من السلم أو من ضمير المؤمنين ، فمعناه على الأوّل : لا يخرج منكم أحد ، وعلى الثاني : لا يخرج من أنواع السلم شيء ، بل ادخلوا فيها جميعا ، أي : في خصال الإسلام ، وهو مشتق من قولهم : كففت ، أي : منعت ، أي : لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام ، والكفّ : المنع ، والمراد هنا : الجميع (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) أي : جميعا. وقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي : لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليها الشيطان ، وقد تقدّم الكلام على خطوات. قوله : (زَلَلْتُمْ) أي : تنحيتم عن طريق الاستقامة ، وأصل الزلل في القدم ، ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك ، يقال : زلّ يزلّ زللا وزلولا ، أي : دحضت قدمه. وقرئ : (زَلَلْتُمْ) بكسر اللام ، وهما لغتان ، والمعنى : فإن ضللتم وعرّجتم عن الحق (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) أي : الحجج الواضحة ، والبراهين الصحيحة ، أن الدخول في الإسلام هو الحق (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يعجزه الانتقام منكم (حَكِيمٌ) لا ينتقم إلا بحق. قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي : ينتظرون ، يقال : نظرته وانتظرته بمعنى ، والمراد : هل ينتظر التاركون للدخول في السلم ، والظلل : جمع ظلة ، وهي ما يظلك ، وقرأ قتادة ، ويزيد بن القعقاع : (فِي ظِلالٍ) وقرأ يزيد أيضا والملائكة بالجرّ عطفا على الغمام أو على ظلل. قال الأخفش والملائكة بالخفض بمعنى : وفي الملائكة ، قال : والرفع أجود. وقال الزجاج : التقدير : في ظلل من الغمام ومن الملائكة. والمعنى : هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام والملائكة. قال الأخفش : وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعا إلى الجزاء ، فسمى الجزاء : إتيانا ، كما سمى التخويف والتعذيب في قصة ثمود : إتيانا ، فقال : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (١) وقال في قصة بني النضير : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (٢) وإنما احتمل الإتيان هذا ، لأن أصله عند أهل اللغة : القصد إلى الشيء ؛ فمعنى الآية : هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم ، وقيل : إن المعنى : يأتيهم أمر الله وحكمه ؛ وقيل : إن قوله : (فِي ظُلَلٍ) بمعنى بظلل ، وقيل : المعنى : يأتيهم ببأسه في ظلل. والغمام : السحاب الرقيق الأبيض ، سمّي بذلك لأنه يغمّ ، أي : يستر. ووجه إتيان العذاب في الغمام ـ على تقدير أن ذلك هو المراد ـ ما في مجيء الخوف من محل الأمن من الفظاعة وعظم الموقع ، لأن الغمام مظنة الرحمة ، لا مظنة العذاب. وقوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) عطف على يأتيهم ، داخل في حيز الانتظار ، وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه ، فكأنه قد كان ، أو جملة مستأنفة جيء بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة ، أي : وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم. وقرأ معاذ بن جبل (وقضاء الأمر) بالمصدر
__________________
(١). النحل : ٢٦.
(٢). الحشر : ٢.