واللام. وقال الكسائي : هو معدول به عن آخر ؛ وقيل : إنه جمع أخرى ، وليس في الآية ما يدل على وجوب التتابع في القضاء. وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) قراءة الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء ، وأصله يطوقونه نقلت الكسرة إلى الطاء ، وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وقرأ حميد على الأصل من غير إعلال. وقرأ ابن عباس بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو ، أي : يكلّفونه. وروى ابن الأنباري عن ابن عباس : (يُطِيقُونَهُ) بفتح الياء وتشديد الطاء والياء مفتوحتين ، بمعنى : يطيقونه. وروي عن عائشة وابن عباس وعمرو بن دينار وطاوس أنهم قرءوا «يطّيّقونه» بفتح الياء وتشديد الطاء مفتوحة. وقرأ أهل المدينة والشام (فِدْيَةٌ طَعامُ) مضافا. وقرءوا أيضا مساكين وقرأ ابن عباس : (طَعامُ مِسْكِينٍ) وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية ، هل هي محكمة أو منسوخة ؛ فقيل : إنها منسوخة ، وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شقّ عليهم ، فكان من أطعم كلّ يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه ، ثم نسخ ذلك ، وهذا قول الجمهور. وروي عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ ، وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة ، وهذا يناسب قراءة التشديد ، أي : يكلفونه كما مرّ. والناسخ لهذه الآية عند الجمهور قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١). وقد اختلفوا في مقدار الفدية ؛ فقيل : كل يوم صاع من غير البرّ ، ونصف صاع منه ؛ وقيل : مدّ فقط. وقوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ). قال ابن شهاب : معناه : من أراد الإطعام مع الصوم. وقال مجاهد : معناه : من زاد في الإطعام على المدّ ؛ وقيل : من أطعم مع المسكين مسكينا آخر. وقرأ عيسى ابن عمرو ، ويحيى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي «يطوّع» مشدّدا مع جزم الفعل على معنى يتطوّع ، وقرأ الباقون بتخفيف الطاء على أنه فعل ماض. وقوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : أن الصيام خير لهم من الإفطار مع الفدية ، وكان هذا قبل النسخ ؛ وقيل : معناه : وأن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق.
وقد أخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن حبان ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في سننه ، عن معاذ بن جبل قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ، فذكر أحوال الصلاة ثم قال : وأما أحوال الصيام ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قدم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله سبحانه فرض عليه الصيام وأنزل عليه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلى قوله (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) فكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فأثبت الله صيامه على الصحيح المقيم ، ورخّص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، ثم ذكر تمام الحديث. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال : يعني بذلك أهل الكتاب. وأخرج البخاري في تاريخه ، والطبراني عن دغفل بن حنظلة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كان على النّصارى صوم شهر رمضان ، فمرض ملكهم فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدنّ عشرا ، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقال : لئن شفاه الله ليزيدنّ سبعة ، ثم كان عليهم ملك آخر فقال : ما ندع من هذه الثلاثة
__________________
(١). البقرة : ١٨٥.