قول الشاعر :
ما بالمدينة دار غير واحدة |
|
دار الخليفة إلّا دار مروانا |
كأنه قال : إلا دار الخليفة ودار مروان ؛ وأبطل الزجاج هذا القول وقال : إنه استثناء منقطع ، أي : لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون ، ومعناه : إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له كما تقول : مالك عليّ حجة إلا أن تظلمني ، أي : مالك عليّ حجة البتة ولكنك تظلمني ؛ وسمّى ظلمه : حجة لأن المحتجّ بها سماه حجة وإن كانت داحضة. وقال قطرب : يجوز أن يكون المعنى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا ، فالذين : بدل من الكاف والميم في عليكم. ورجّح ابن جرير الطبري أن الاستثناء متصل ، وقال : نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة ؛ والمعنى : لا حجة لأحد عليكم ؛ إلا الحجة الداحضة حيث قالوا : ما ولاهم ، وقالوا : إن محمدا تحيّر في دينه. وما توجّه إلى قبلتنا إلا أنا أهدى منه. وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو منافق. قال : والحجة : بمعنى : المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة ، وسمّاها تعالى : حجة ، وحكم بفسادها حيث كانت من ظالم. ورجّح ابن عطية أن الاستثناء منقطع كما قال الزجّاج. قال القرطبي : وهذا على أن يكون المراد بالناس : اليهود ، ثم استثنى كفار العرب كأنه قال : لكن الذين ظلموا في قولهم : رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله. وقوله : (فَلا تَخْشَوْهُمْ) يريد الناس ، أي : لا تخافوا مطاعنهم ؛ فإنها داحضة باطلة لا تضركم. وقوله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) معطوف على (لِئَلَّا يَكُونَ) أي : ولأن أتمّ ، قاله الأخفش ؛ وقيل : هو مقطوع عما قبله في موضع رفع بالابتداء ، والخبر مضمر ، والتقدير : ولأتمّ نعمتي عليكم عرّفتكم قبلتي ، قاله الزجّاج ؛ وقيل : معطوف على علة مقدرة ، كأنه قيل : واخشوني لأوفقكم ، ولأتمّ نعمتي عليكم. وإتمام النعمة : الهداية إلى القبلة ؛ وقيل : دخول الجنة. وقوله : (كَما أَرْسَلْنا) الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف. والمعنى : ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما أرسلنا ، قاله الفرّاء ، ورجّحه ابن عطية. وقيل : الكاف في موضع نصب على الحال ؛ والمعنى : ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال ، والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة. وقيل : معنى الكلام على التقديم والتأخير ، أي : فاذكروني كما أرسلنا ، قاله الزجّاج. وقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة. قال سعيد بن جبير : ومعنى الآية : اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة ، حكاه عنه القرطبي في تفسيره ، وأخرجه عنه عبد ابن حميد ، وابن جرير ، وقد روي نحوه مرفوعا كما سيأتي. وقوله : (وَاشْكُرُوا لِي) قال الفرّاء : شكر لك وشكرت لك. والشكر : معرفة الإحسان والتحدّث به ، وأصله في اللغة : الطهور. وقد تقدّم الكلام فيه. وقوله : (وَلا تَكْفُرُونِ) نهي ؛ ولذلك حذفت نون الجماعة ، وهذه الموجودة في الفعل هي نون المتكلم ، وحذفت الياء لأنها رأس آية ، وإثباتها حسن في غير القرآن. والكفر هنا : ستر النعمة لا التكذيب ، وقد تقدّم الكلام فيه.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) قال : يعني