الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢))
قوله : (وَلِكُلٍ) بحذف المضاف إليه لدلالة التنوين عليه ، أي : لكل أهل دين وجهة ، والوجهة فعلة من المواجهة وفي معناها : الجهة والوجه ، والمراد : القبلة ، أي : أنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) إما بحق وإما بباطل ، والضمير في قوله : (هُوَ مُوَلِّيها) راجع إلى لفظ كل. والهاء في قوله : (مُوَلِّيها) هي المفعول الأوّل ، والمفعول الثاني : محذوف ، أي : موليها وجهه. والمعنى : أن لكل صاحب ملة قبلة صاحب القبلة موليها وجهه ، أو لكل منكم يا أمة محمد! قبلة يصلّي إليها من شرق أو غرب أو جنوب أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين ، ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه وإن لم يجر له ذكر ، إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك ، والمعنى : أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه. وحكى الطبري أن قوما قرءوا : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) بالإضافة ، ونسب هذه القراءة أبو عمرو الداني إلى ابن عباس. قال في الكشاف : والمعنى : وكلّ وجهة الله موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول ، كقولك : لزيد ضربت ، ولزيد أبوه ضاربه. انتهى. وقرأ ابن عباس وابن عامر : مولّاها على ما لم يسمّ فاعله. قال الزجاج : والضمير على هذه القراءة لواحد ، أي : ولكل واحد من الناس قبلة الواحد مولاها ، أي : مصروف إليها. وقوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي : إلى الخيرات ؛ على الحذف والإيصال ، أي : بادروا إلى ما أمركم الله من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق ، وإن كان ظاهره الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خير ، كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات ؛ والمراد من الاستباق إلى الاستقبال : الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها. ومعنى قوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ) أي : في أيّ جهة من الجهات المختلفة تكونوا يأت بكم الله للجزاء يوم القيامة ، أو يجعلكم جميعا ، ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة ، وقوله : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) كرّر سبحانه هذا لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة ، وللاهتمام به ، لأن موضع التحويل كان معتنى به في نفوسهم ؛ وقيل : وجه التكرير : أن النسخ من مظانّ الفتنة ومواطن الشبهة ، فإذا سمعوه مرّة بعد أخرى ثبتوا واندفع ما يختلج في صدورهم ؛ وقيل : إنه كرّر هذا الحكم لتعدد علله ، فإنه سبحانه ذكر للتحويل ثلاث علل : الأولى : ابتغاء مرضاته ، والثانية : جري العادة الإلهية أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة جهة يستقلّ بها ، والثالثة : دفع حجج المخالفين فقرن بكل علة معلولها ؛ وقيل : أراد بالأول : ولّ وجهك شطر الكعبة إذا صليت تلقاءها ، ثم قال : وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها ؛ فولوا وجوهكم شطره ؛ ثم قال : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) يعني وجوب الاستقبال في الأسفار ، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواطن من نواحي الأرض. وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) قيل : معناه : لئلا يكون لليهود عليكم حجة ؛ إلا للمعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه ، فعلى هذا : المراد بالذين ظلموا : المعاندون من أهل الكتاب ؛ وقيل : هم مشركو العرب ، وحجتهم : قولهم : راجعت قبلتنا ؛ وقيل معناه : لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم : قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها. وقال أبو عبيدة : إنّ إلا هاهنا بمعنى الواو : أي والذين ظلموا فهو استثناء بمعنى الواو ، ومنه