إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ١ ]

فتح القدير [ ج ١ ]

174/632
*

ابن حميد ، وابن جرير عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه. وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) قال : يعني : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣))

قوله : (سَيَقُولُ) هذا إخبار من الله سبحانه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين ؛ بأن السفهاء من اليهود والمنافقين سيقولون هذه المقالة عند أن تتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. وقيل : إن (سَيَقُولُ) بمعنى قال ، وإنما عبر عن الماضي بلفظ المستقبل للدلالة على استدامته واستمراره عليه ، وقيل : إن الإخبار بهذا الخبر كان قبل التحول إلى الكعبة ، وأن فائدة ذلك أن الإخبار بالمكروه إذا وقع قبل وقوعه كان فيه تهوينا لصدمته ، وتخفيفا لروعته ، وكسرا لسورته. والسفهاء : جمع سفيه. وهو الكذّاب البهّات المعتمد خلاف ما يعلم ، كذا قال بعض أهل اللغة. وقال في الكشاف : هم خفاف الأحلام ، ومثله في القاموس. وقد تقدم في تفسير قوله : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (١) ما ينبغي الرجوع إليه ؛ ومعنى : (ما وَلَّاهُمْ) : ما صرفهم (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) وهي بيت المقدس ، فردّ الله عليهم بقوله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء. وفي قوله : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إشعار بأن تحويل القبلة إلى الكعبة من الهداية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأهل ملته إلى الصراط المستقيم. وقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ) أي : مثل ذلك الجعل جعلناكم ؛ قيل معناه : وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا. والوسط : الخيار أو العدل ، والآية محتملة للأمرين ، وما يحتملهما قول زهير :

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم

إذا نزلت إحدى اللّيالي بمعظم

ومثله قول الآخر :

أنتم أوسط حيّ علموا

بصغير الأمر أو إحدى الكبر

وقد ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفسير الوسط هنا بالعدل كما سيأتي ، فوجب الرجوع إلى ذلك ، ومنه قول الراجز :

لا تذهبنّ في الأمور فرطا

لا تسألنّ إن سألت شططا

وكن من النّاس جميعا وسطا ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا ؛ أي : هذه الأمة لم تغل غلوّ النصارى في عيسى ،

__________________

(١). البقرة : ١٣٠.