إلى إبراهيم وبنيه ؛ ويعقوب وبنيه و (أُمَّةٌ) بدل منه ، وخبره (قَدْ خَلَتْ) أو أمة : خبره ، وقد خلت : نعت لأمة ، وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) بيان لحال تلك الأمة ؛ وحال المخاطبين ؛ بأن لكل من الفريقين كسبه ، لا ينفعه كسب غيره ولا يناله منه شيء ، ولا يضرّه ذنب غيره ، وفيه الردّ على من يتكل على عمل سلفه ، ويروّح نفسه بالأماني الباطلة ، ومنه ما ورد في الحديث «من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» والمراد : أنكم لا تنتفعون بحسناتهم ، ولا تؤاخذون بسيئاتهم ، ولا تسألون عن أعمالهم ، كما لا يسألون عن أعمالكم ، ومثله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١) (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٢). ولما ادّعت اليهود والنصارى أن الهداية بيدها ؛ والخير مقصور عليها ؛ ردّ ذلك عليهم بقوله : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي : قل يا محمد هذه المقالة ، ونصب ملة بفعل مقدر ، أي : نتبع ؛ وقيل التقدير : نكون ملة إبراهيم ، أي : أهل ملته ؛ وقيل : بل نهتدي بملة إبراهيم ، فلما حذف حرف الجر صار منصوبا. وقرأ الأعرج ، وابن أبي عبلة : «ملة» بالرفع : أي : بل الهدى ملة إبراهيم. والحنيف : المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو في أصل اللغة : الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها. قال الزجّاج : وهو منصوب على الحال ، أي : نتبع ملة إبراهيم حال كونه حنيفا. وقال عليّ بن سليمان : هو منصوب بتقدير أعني ، والحال خطأ ؛ كما لا يجوز : جاءني غلام هند مسرعة. وقال في الكشاف : هو حال من المضاف إليه ، كقولك : رأيت وجه هند قائمة ، وقال قوم : الحنف : الاستقامة ، فسمّي دين إبراهيم حنيفا لاستقامته ، وسمّي معوج الرجلين : أحنف ، تفاؤلا بالاستقامة ، كما قيل للديغ : سليم ، وللمهلكة : مفازة. وقد استدل من قال بأن الحنيف في اللغة المائل لا المستقيم بقول الشاعر :
إذا حوّل الظّل العشيّ رأيته |
|
حنيفا وفي قرن الضّحى يتنصّر |
أي : أن الحرباء تستقبل القبلة بالعشيّ ، وتستقبل المشرق بالغداة ، وهي قبلة النصارى ، ومنه قول الشاعر :
والله لو لا حنف في رجله |
|
ما كان في رجالكم من مثله |
وقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فيه تعريض باليهود لقولهم ـ عزير ابن الله ـ وبالنصارى لقولهم ـ المسيح ابن الله ـ أي : أن إبراهيم ما كان على هذه الحالة التي أنتم عليها من الشرك بالله ، فكيف تدّعون عليه أنه كان على اليهودية أو النصرانية؟ وقوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) خطاب للمسلمين ، وأمر لهم بأن يقولوا هذه المقالة ؛ وقيل : إنه خطاب للكفار ؛ بأن يقولوا ذلك حتى يكونوا على الحق ، والأول أظهر.
والأسباط : أولاد يعقوب ، وهم اثنا عشر ولدا ، ولكل واحد منهم من الأولاد جماعة ، والسّبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب ، وسمّوا الأسباط من السبط ؛ وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون ؛ وقيل : أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر ، أي : هم في الكثرة بمنزلة الشجر ؛ وقيل : الأسباط : حفدة يعقوب ، أي : أولاد أولاده لا أولاده ، لأن الكثرة إنما كانت فيهم دون أولاد يعقوب في نفسه ، فهم أفراد لا أسباط. وقوله :
__________________
(١). الأنعام : ١٦٤.
(٢). النجم : ٣٩.