وابن مردويه ، وابن عساكر عنه قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم. وقرأ هذه الآية ، فقيل له : ما الكلمات؟ قال : سهام الإسلام ثلاثون سهما : عشرة في براءة (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) (١) إلى آخر الآية ، وعشرة في أوّل سورة (قَدْ أَفْلَحَ) (٢) و (سَأَلَ سائِلٌ) (٣) (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٤) لآيات ، وعشرة في الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) (٥) إلى آخر الآية ، (فَأَتَمَّهُنَ) كلهنّ ، فكتب له براءة ، قال تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٦) وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم عنه ، قال : منهنّ مناسك الحج. وأخرج ابن جرير عنه قال : الكلمات : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) (٧) والآيات في شأن المناسك ، والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنو البيت ، وبعث محمد في ذريتهما. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) قال : ابتلي بالآيات التي بعدها. وأخرجا أيضا عن الشعبي مثله. وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم فاتمهنّ : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومحاجّته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم ، وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في الله ، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة والصبر عليهما ، وما ابتلي به من ذبح ولده ، فلما مضى على ذلك كله (قالَ) الله (لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٨). وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه ، وابتلاه بالختان فرضي عنه ، وابتلاه بابنه فرضي عنه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (فَأَتَمَّهُنَ) قال : فأداهنّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من فطرة إبراهيم السّواك». قلت : وهذا على تقدير أن إسناده إلى عطاء صحيح فهو مرسل لا تقوم به الحجة ، ولا يحلّ الاعتماد على مثله في تفسيره كلام الله سبحانه ، وهكذا لا يحل الاعتماد على مثل ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم. ومثل ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال : ست من فطرة إبراهيم : قص الشارب ، والسواك ، والفرق ، وقص الأظفار ، والاستنجاء ، وحلق العانة ، قال : ثلاثة في الرأس ، وثلاثة في الجسد. وقد ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة مشروعية تلك العشر لهذه الأمة ، ولم يصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنها الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم. وأحسن ما روي عنه ما أخرجه الترمذي وحسّنه عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقصّ أو يأخذ من شاربه. قال : وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله. ولا يخفاك أن فعل الخليل له لا يستلزم أنه من الكلمات التي ابتلي بها ، وإذا لم يصح شيء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجة تعيين تلك الكلمات ؛ لم يبق لنا إلا أن نقول : إنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه بقوله : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ) إلى آخر الآيات ، ويكون ذلك بيانا للكلمات ، أو السكوت وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه. وأما ما روي عن ابن عباس ونحوه من الصحابة من بعدهم في تعيينها ، فهو أوّلا أقوال صحابة لا تقوم بها الحجة فضلا عن أقوال من بعدهم ،
__________________
(١). التوبة : ١١٢.
(٢). المؤمنون : ١.
(٣). المعارج : ١.
(٤). المعارج : ٢٦.
(٥). الأحزاب : ٣٥.
(٦). النجم : ٣٧.
(٧). البقرة : ١٢٧.
(٨). البقرة : ١٣١.