(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨))
قوله : (وَقالُوا) هم اليهود والنصارى ـ وقيل اليهود ، أي : قالوا ـ عزير ابن الله ـ وقيل : النصارى ، أي : قالوا : المسيح ابن الله ـ وقيل : هم كفار العرب ، أي : قالوا : الملائكة بنات الله. وقوله : (سُبْحانَهُ) قد تقدم تفسيره ، والمراد هنا : تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد. وقوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ردّ على القائلين بأنه اتخذ ولدا ، أي : بل هو مالك لما في السموات والأرض ، وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه ، والولد من جنسهم لا من جنسه ، ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد. والقانت : المطيع الخاضع ، أي : كل من في السموات والأرض مطيعون له ، خاضعون لعظمته ، خاشعون لجلاله ، والقنوت في أصل اللغة أصله : القيام. قال الزجّاج : فالخلق قانتون ، أي : قائمون بالعبودية ، إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلاف ذلك ، فأثر الصنعة بيّن عليهم ؛ وقيل : أصله الطاعة ، ومنه (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) (١) وقيل : السكون ، ومنه قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٢) ولهذا قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام ؛ وقيل القنوت :
الصلاة ، ومنه قول الشاعر :
قانتا لله يتلو كتبه |
|
وعلى عمد من النّاس اعتزل |
والأولى : أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة ؛ قيل هي ثلاثة عشر معنى ، وهي مبينة. وقد نظمها بعض أهل العلم ، كما أوضحت ذلك في شرحي على المنتقى. وبديع : فعيل للمبالغة ، وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو بديع سماواته وأرضه ، أبدع الشيء : أنشأه لا عن مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له : مبدع. وقوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً) أي : أحكمه وأتقنه. قال الأزهري : قضى في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه ، قيل : هو مشترك بين معان ، يقال : قضى ، بمعنى : خلق ، ومنه : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (٣) وبمعنى أعلم ، ومنه : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (٤) وبمعنى : أمر ، ومنه : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٥) وبمعنى : ألزم ، ومنه : قضى عليه القاضي ، وبمعنى : أوفاه ، ومنه (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) (٦) وبمعنى : أراد ، ومنه (فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٧) والأمر : واحد الأمور. وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى : الأوّل : الدين ، ومنه : (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) (٨) الثاني : بمعنى القول ، ومنه : (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) (٩). الثالث : العذاب ، ومنه : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) (١٠) الرابع : عيسى ، ومنه : (فَإِذا قَضى أَمْراً) (١١) أي : أوجد عيسى عليه
__________________
(١). الأحزاب : ٣٥.
(٢). البقرة : ٢٣٨.
(٣). فصلت : ١٢.
(٤). الإسراء : ٤.
(٥). الإسراء : ٢٣.
(٦). القصص : ٢٩.
(٧). غافر : ٦٨.
(٨). التوبة : ٤٨.
(٩). المؤمنون : ٢٧.
(١٠). إبراهيم : ٢٢.
(١١) غافر : ٦٨.