وعلى أنبيائه بالدعاوى الباطلة في غير موطن ما قد حكاه عنهم التنزيل ، فلم يتركوا عادتهم هنا ؛ إلا لما قد تقرّر عندهم ؛ من أنهم إذا فعلوا ذلك التمني نزل بهم الموت ، إما لأمر قد علموه ، أو للصرفة من الله عزوجل. وقد يقال : ثبت النهي عن النبي صلىاللهعليهوسلم عن تمني الموت ، فكيف أمره الله أن يأمرهم بما هو منهي عنه في شريعته. ويجاب بأن المراد هنا إلزامهم الحجة ، وإقامة البرهان على بطلان دعواهم. وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) تهديد لهم ، وتسجيل عليهم بأنهم كذلك. واللام في قوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ) جواب قسم محذوف ، وتنكير حياة : للتحقير ، أي : أنهم أحرص الناس على أحقر حياة ، وأقل لبث في الدنيا ، فكيف بحياة كثيرة ولبث متطاول؟ وقال في الكشاف : إنه أراد بالتنكير حياة مخصوصة ، وهي الحياة المتطاولة ، وتبعه في ذلك الرازي في تفسيره. وقوله : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) قيل : هو كلام مستأنف ، والتقدير : ومن الذين أشركوا ناس (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) وقيل : إنه معطوف على الناس ؛ أي : أحرص الناس ، وأحرص من الذين أشركوا ، وعلى هذا يكون قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) راجعا إلى اليهود ، بيانا لزيادة حرصهم على الحياة ، ووجه ذكر الذين أشركوا بعد ذكر الناس مع كونهم داخلين فيهم ، الدلالة على مزيد حرص المشركين من العرب ومن شابههم من غيرهم. فمن كان أحرص منهم وهم اليهود ، كان بالغا في الحرص إلى غاية لا يقادر قدرها. وإنما بلغوا في الحرص إلى هذا الحدّ الفاضل على حرص المشركين ، لأنهم يعلمون بما يحلّ بهم من العذاب في الآخرة ، بخلاف المشركين من العرب ونحوهم فإنهم لا يقرّون بذلك ، وكان حرصهم على الحياة دون حرص اليهود. والأول وإن كان فيه خروج من الكلام في اليهود إلى غيرهم من مشركي العرب ؛ لكنه أرجح لعدم استلزامه للتكليف ، ولا ضير في استطراد ذكر حرص المشركين بعد ذكر حرص اليهود. وقال الرازي : إن الثاني أرجح ، ليكون ذلك أبلغ في إبطال دعواهم ، وفي إظهار كذبهم في قولهم إن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا ، انتهى. ويجاب عنه بأن هذا الذي جعله مرجحا قد أفاده قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ) ولا يستلزم استئناف الكلام في المشركين أن لا يكونوا من جملة الناس ، وخص الألف بالذكر لأن العرب كانت تذكر ذلك عند إرادة المبالغة. وأصل سنة : سنهة ، وقيل سنوة. واختلف في الضمير في قوله : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ) فقيل هو راجع إلى أحدهم ، والتقدير : وما أحدهم بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، وعلى هذا يكون قوله : (أَنْ يُعَمَّرَ) فاعلا لمزحزحه ، وقيل : هو لما دل عليه يعمر من مصدره ؛ أي : وما التعمير بمزحزحه ، ويكون قوله : (أَنْ يُعَمَّرَ) بدلا منه. وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : هو عماد ؛ وقيل : هو ضمير الشأن ؛ وقيل : «ما» هي الحجازية ، والضمير : اسمها ، وما بعده خبرها ، والأوّل أرجح ، وكذلك الثاني والثالث ضعيف جدا لأن العماد لا يكون إلا بين شيئين ، ولهذا يسمونه ضمير الفصل ، والرابع فيه : أن ضمير الشأن يفسر بجملة سالمة عن حرف جرّ كما حكاه ابن عطية عن النحاة. والزحزحة : التنحية ؛ يقال : زحزحته فتزحزح ، أي : نحيته فتنحى وتباعد ، ومنه قول ذي الرمة :
يا قابض الرّوح عن جسم عصى زمنا |
|
وغافر الذّنب زحزحني عن النّار |
والبصير : العالم بالشيء ، الخبير به ؛ ومنه قولهم : فلان بصير بكذا : أي : خبير به ، ومنه قول الشاعر :