ومعناه في اللغة الواسع. قال في الكشاف : وكأنها سميت فارضا لأنها فرضت سنها : أي قطعتها وبلغت آخرها. انتهى. ويقال للشيء القديم : فارض ، ومنه قول الراجز :
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض |
|
له قروء كقروء الحائض |
أي قديم ؛ وقيل الفارض : التي قد ولدت بطونا كثيرة فيتسع جوفها. والبكر : الصغيرة التي لم تحمل ، وتطلق في إناث البهائم وبني آدم على ما لم يفتحله الفحل ، وتطلق أيضا على الأوّل من الأولاد ، ومنه قول الراجز :
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد |
|
أصبحت منّي كذراع من عضد |
والعوان : المتوسطة بين سني الفارض والبكر ، وهي التي قد ولدت بطنا أو بطنين ؛ ويقال هي التي قد ولدت مرة بعد مرة ، والإشارة بقوله : (بَيْنَ ذلِكَ) إلى الفارض والبكر ، وهما وإن كانتا مؤنثتين فقد أشير إليهما بما هو للمذكر على تأويل المذكور ، كأنه قال : بين ذلك المذكور وجاز دخول بين المقتضية لشيئين [على المفرد] (١) لأن المذكور متعدد. وقوله : (فَافْعَلُوا) تجديد للأمر ، وتأكيد له ، وزجر لهم عن التعنت ، فلم ينفعهم ذلك ولا نجع فيهم ، بل رجعوا إلى طبيعتهم ، وعادوا إلى مكرهم واستمرّوا على عادتهم المألوفة ، ف (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ). واللون : واحد الألوان ، وجمهور المفسرين على أنها كانت جميعها صفراء. قال بعضهم : حتى قرنها وظلفها. وقال الحسن وسعيد بن جبير : إنها كانت صفراء القرن والظلف فقط ، وهو خلاف الظاهر. والمراد بالصفرة هنا الصفرة المعروفة. وروي عن الحسن أن صفراء معناه سوداء ، وهذا من بدع التفاسير ومنكراتها ، وليت شعري كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه يسرّ الناظرين ، وكيف يصح وصفه بالفقوع الذي يعلم كل من يعرف لغة العرب أنه لا يجري على الأسود بوجه من الوجوه ، فإنهم يقولون في وصف الأسود : حالك وحلكوك ودجوجي وغربيب. قال الكسائي : يقال فقع لونها يفقع فقوعا : إذا خلصت صفرته. وقال في الكشاف : الفقوع أشدّ ما يكون من الصفرة وأنصعه. ومعنى (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها إعجابا بها واستحسانا للونها. قال وهب : كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، ثم لم ينزعوا عن غوايتهم ولا ارعووا من سفههم وجهلهم ، بل عادوا إلى تعنتهم فقال : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) أي أن جنس البقر يتشابه عليهم لكثرة ما يتصف منها بالعوان الصفراء الفاقعة ، ووعدوا من أنفسهم بالاهتداء إلى ما دلّهم عليه ، والامتثال لما أمروا به. (لا ذَلُولٌ) التي لم يذللها العمل : أي هي غير مذللة بالعمل ولا ريّضة به. وقوله : (تُثِيرُ) في موضع رفع على الصفة لبقرة : أي هي بقرة لا ذلول مثيرة ، وكذلك قوله : (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) في محل رفع لأنه وصف لها : أي ليست من النواضح التي يسنى عليها لسقي الزروع ، وحرف النفي الآخر توكيد للأوّل : أي هي بقرة غير مذللة بالحرث ولا بالنضح ، ولهذا قال الحسن : كانت البقرة
__________________
(١). ما بين حاصرتين : زيادة يقتضيها السياق.