وقال الحسن البصري : إنهم كانوا أهل كرّات وأبصال وأعداس ، فنزعوا إلى عكرهم : أي أصلهم عكر السوء ، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) والمراد بالطعام الواحد هو : المنّ والسلوى ، وهما وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاما واحدا. وقيل : لتكررهما في كل يوم وعدم وجود غيرهما معهما ولا تبدلة بهما. ومن في قوله : (مِمَّا تُنْبِتُ) تخرج. قال الأخفش : زائدة ، وخالفه سيبويه لكونها لا تزاد في الكلام الموجب. قال النحاس : وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولا ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولا ؛ والأولى أن يكون المفعول محذوفا دل عليه سياق الكلام ، أي : تخرج لنا مأكولا. وقوله : (مِنْ بَقْلِها) بدل من ما بإعادة الحرف ، والبقل : كل نبات ليس له ساق ، والشجر : ما له ساق. قال في الكشاف : البقل ما أنبتته الأرض من الخضر ، والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكرّاث وأشباهها. انتهى. والقثاء بكسر القاف وفتحها. والأولى قراءة الجمهور. والثانية قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وهو معروف. والفوم : قيل هو الثوم ، وقد قرأه ابن مسعود بالثاء. وروي نحو ذلك عن ابن عباس ، وقيل : الفوم : الحنطة ، وإليه ذهب أكثر المفسرين ، كما قال القرطبي. وقد رجّح هذا ابن النحاس. وقال الجوهري : الفوم الحنطة ، وممن قال بهذا الزجاج والأخفش ، وأنشد :
قد كنت أحسبني كأغنى واجد |
|
نزل المدينة عن زراعة فوم |
وقال بالقول الأوّل الكسائي والنضر بن شميل ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة |
|
فيها الفراديس والفومان والبصل |
أي الثوم ، وقال حسان :
وأنتم أناس لئام الأصول |
|
طعامكم الفوم والحوقل |
يعني الثوم والبصل ؛ وقيل الفوم : السنبلة ؛ وقيل الحمص ، وقيل الفوم كل حبّ يخبز. والعدس والبصل معروفان. والاستبدال : وضع الشيء موضع الآخر و (أَدْنى) قال الزجاج : إنه مأخوذ من الدنوّ : أي القرب والمراد : أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المنّ والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه ، والحلّ الذي لا تطرقه الشبهة وعدم الكلفة بالسعي له والتعب في تحصيله ، وقوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) أي انزلوا ، وقد تقدّم معنى الهبوط. وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر ؛ وقيل : إن الأمر للتعجيز لأنهم كانوا في التيه ، فهو مثل قوله تعالى : (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (١) ، وصرف مصر هنا مع اجتمع العلمية والتأنيث لأنه ثلاثي ساكن في الوسط ، وهو يجوز صرفه مع حصول السببين ، وبه قال الأخفش والكسائي. وقال الخليل وسيبويه : إن ذلك لا يجوز ، وقالا : إنه لا علمية هنا لأنه أراد مصرا من الأمصار ، ولم يرد المدينة المعروفة ؛ وهو خلاف الظاهر. وقرأ الحسن وأبان ابن تغلب وطلحة بن مصرف بترك التنوين ، وهو كذلك في مصحف أبيّ وابن مسعود. ومعنى ضرب الذلة
__________________
(١). الإسراء : ٥٠.