كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله عزوجل أحبّ إلى الله وأقرب إلى مغفرته. وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية فذلك باب آخر. وقوله : يغفر لكم قرأه نافع بالياء التحتية المضمومة ، وقرأه ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة وقرأه الباقون بالنون وهي أولى. والخطايا جمع خطيئة بالهمز ، وقد تكلّم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف. وقوله : (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) أي نزيدهم إحسانا على إحسانهم المتقدم ، وهو اسم فاعل من أحسن. وقد ثبت في الصحيح «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن الإحسان فقال : أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» وقوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) قيل : إنهم قالوا : حنطة ؛ وقيل غير ذلك. والصواب أنهم قالوا :
حبة في شعرة ، كما سيأتي مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. وقوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرّر في علم البيان ، وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم ، ومنه قول عديّ بن زيد :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا |
فكرّر الموت في البيت ثلاثا تهويلا لأمره وتعظيما لشأنه. وقوله : (رِجْزاً) بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن محيصن فإنه قرأ بضم الراء. والرجز : العذاب. والفسق : قد تقدم تفسيره. وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) قال : بيت المقدس. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : هي أريحاء قرية من بيت المقدس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه ، عن ابن عباس في قوله : (ادْخُلُوا الْبابَ) قال : باب ضيق (سُجَّداً) قال : ركعا. وقوله : (حِطَّةٌ) قال : مغفرة ، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة استهزاء ، قال : فذلك قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الباب هو أحد أبواب بيت المقدس ، وهو يدعى باب حطة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والطبراني في الكبير ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود قال : قيل لهم : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) فدخلوا مقنعي رؤوسهم وقالوا حنطة : حبة حمراء فيها شعيرة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) قال : طأطئوا رؤوسكم (وَقُولُوا حِطَّةٌ) قال : قولوا : لا إله إلا الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله : (قُولُوا : حِطَّةٌ) قال : لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : كان الباب قبل القبلة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجّدا وقولوا حطّة ، فبدّلوا ؛ فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبّة في شعرة». وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجّدا يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون حنطة في شعيرة» ، والأول أرجح لكونه في الصحيحين. وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر : أعني ابن جرير وابن المنذر. وأخرج ابن أبي شيبة عن عليّ قال : إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب