هذه خلاصة لآراء العلماء في الحروف المقطعة ، التي افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ومن أراد مزيدا لذلك فليرجع ـ مثلا ـ إلى كتاب «البرهان» للزركشى. وكتاب «الإتقان» للسيوطي ، وتفسير «الآلوسى».
ولفظ «ن» على الرأى الذي رجحناه ، يكون إشارة إلى إعجاز القرآن ...
وقيل : هو من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ..
وقد ذكر بعض المفسرين أقوالا أخرى ، لا يعتمد عليها لضعفها ، ومن ذلك قولهم : إن «نون» اسم لحوت عظيم ... أو اسم للدواة .. وقيل : «نون» لوح من نور .. (١).
والواو في قوله : (وَالْقَلَمِ) للقسم ، والمراد بالقلم : جنسه ، فهو يشمل كل قلم يكتب به و «ما» في قوله (وَما يَسْطُرُونَ) موصولة أو مصدرية. و (يَسْطُرُونَ) مضارع سطر ـ من باب نصر ـ ، يقال : سطر الكتاب سطرا ، إذا كتبه. والسطر : الصف من الشجر وغيره ، وأصله من السطر بمعنى القطع ، لأن صفوف الكتابة تبدو وكأنها قطع متراصة.
وجواب القسم قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).
أى : وحق القلم الذي يكتب به الكاتبون من مخلوقاتنا المتعددة ، إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لمبرأ مما اتهمك به أعداؤك من الجنون ، وكيف تكون مجنونا وقد أنعم الله ـ تعالى ـ عليك بالنبوة والحكمة.
فالمقصود بالآيات الكريمة تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من المشركين ، ودفع تهمهم الباطلة دفعا يأتى عليها من القواعد فيهدمها ، وإثبات أنه رسول من عنده ـ تعالى ـ.
وأقسم ـ سبحانه ـ بالقلم ، لعظيم شرفه ، وكثرة منافعه ، فبه كتبت الكتب السماوية ، وبه تكتب العلوم المفيدة .. وبه يحصل التعارف بين الناس ..
وصدق الله إذ يقول : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).
قال القرطبي : أقسم ـ سبحانه ـ بالقلم. لما فيه من البيان كاللسان. وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء من في الأرض ، ومنه قول أبى الفتح البستي :
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم |
|
وعدّوه مما يكسب المجد والكرم |
كفى قلم الكتاب عزا ورفعة |
|
مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم (٢) |
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢١٣. وتفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٢٣.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٢٥.