فقوله : (بِالْوادِ) علم بالغلبة للمكان الذي كانوا يسكنون فيه ، ويسمى بوادي القرى ، وقد قال ـ تعالى ـ في شأنهم : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ).
والمراد بفرعون هنا : هو وقومه. والمراد بالأوتاد : الجنود والعساكر الذين يشدون ملكه ويقوونه ، كما تشد الخيام وتقوى بالأوتاد.
قال الآلوسى : وصف فرعون بذلك لكثرة جنوده وخيامهم ، التي يضربون أوتادها في منازلهم ، أو لأنه كان يدق لمن يريد تعذيبه أربعة أوتاد ، ويشده بها .. (١).
وقال بعض العلماء : ووصف فرعون بذي الأوتاد ، لأن مملكته كانت تحتوى على الأهرامات ، التي بناها أسلافه ، لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق ، ويجوز أن يكون المراد بالأوتاد : التمكن والثبات على سبيل الاستعارة ، أى : ذي القوة .. (٢).
وقال صاحب الظلال : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) وهي على الأرجح الأهرامات ، التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان ، وفرعون المشار إليه هنا ، هو فرعون الطاغية الجبار ، الذي أرسل الله ـ تعالى ـ إليه موسى ـ عليهالسلام ـ .. (٣).
والمعنى : لقد علمت ـ أيها الرسول الكريم ـ وعلم معك كل من هو أهل للخطاب ، ما فعله ربك بقبيلة عاد ، التي جدها إرم بن سام بن نوح ، والتي كانت صاحبة أعمدة عظيمة ترفع عليها بيوتها ، والتي لم يخلق في بلادها مثلها في القوة والغنى.
وعلمت ـ أيضا ـ ما فعله ربك بقوم ثمود ، الذين قطعوا صخر الجبال ، واتخذوا منها بيوتا بوادي قراهم ، التي ما زالت معروفة.
وعلمت ـ كذلك ـ ما فعلناه بفرعون صاحب المبانى القوية الفخمة وصاحب الجنود والعساكر الذين يشدون ملكه.
و (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) فأفسدوها ، وتجاوزوا كل حد في العصيان والظلم.
(فَأَكْثَرُوا فِيهَا) أى : في البلاد (الْفَسادَ) عن طريق الفسوق والخروج عن طاعتنا. (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أى : فكانت نتيجة طغيانهم وفسادهم ، أن أنزل ربك عليهم ، نوعا عظيما من العذاب المهين.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٢٤.
(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ٣٠ ص ٣٢١ للشيخ ابن عاشور.
(٣) تفسير في ظلال القرآن ج ٣٠ ص ٥٧١.