مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)(٢٨)
وقوله : (كَلَّا) هنا ، تكرير للردع والزجر السابق في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ، لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار في عليين.
ولفظ «عليين» جمع عليّ ـ بكسر العين وتشديد اللام المكسورة ـ من العلو. ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد ، وأنه اسم للديوان الذي تكتب فيه أعمال الأبرار.
قال صاحب الكشاف : وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم. وعليون : علم لديوان الخير ، الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين. منقول من جمع «عليّ» بزنة فعّيل ـ بكسر الفاء والعين المشددة ـ من العلو ، كسجّين من السجن. سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالى الدرجات في الجنة ، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة .. تكريما له وتعظيما .. (١).
أى : حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار ، لمثبت في ديوان الخير ، الكائن في أعلى مكان وأشرفه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) تفخيم لشأن هذا الديوان ، وتنويه عظيم بشرفه.
وقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) تفسير لما كتب لهؤلاء الأبرار من خير وبركة ، أى : كتاب الأبرار كتاب واضح بين ، يقرؤه أصحابه بسهولة ويسر ، فتنشرح صدورهم ، وتقر عيونهم.
وقوله ـ تعالى ـ (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) صفة أخرى جيء بها على سبيل المدح لهذا المكتوب من الأعمال الصالحة لهؤلاء الأخيار.
أى : كتاب الأبرار ، وصحائف أعمالهم ، في أسمى مكان وأعلاه ، وهو كتاب واضح بين ، يقرءونه فيظهر البشر والسرور على وجوههم ، وهو فوق ذلك (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أى : يطلع عليه الملائكة المقربون من الله ـ تعالى ـ ، ليكون هذا الاطلاع شهادة لهؤلاء الأبرار ، بأنهم محل رضا الله ـ تعالى ـ وتكريمه وثوابه.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم في الجنة ، بعد بيان ما اشتمل عليه كتابهم من خير وبر فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) أى : لفي نعيم دائم ، لا يحول ولا يزول.
(عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) والأرائك : جمع أريكة ـ بزنة سفينة ـ وهي اسم للسرير
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٢٢.