(وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) أى : وإذا النجوم تهاوت وتساقطت وتفرقت ، ويقال : نثرت الشيء على الأرض ، إذا ألقيته عليها متفرقا. فانتثار الكواكب معناه : تفرقها عن مواضعها التي كانت فيها.
(وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) أى : شققت جوانبها ، فزالت الحواجز التي بينها ، واختلط بعضها ببعض فصارت جميعها بحرا واحدا ، فقوله (فُجِّرَتْ) مأخوذ من الفجر ـ بفتح الفاء ـ وهو شق الشيء شقا واسعا ، يقال : فجر الماء فتفجر ، إذا شقه شقا واسعا ترتب عليه سيلان الماء بشدة.
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أى : صار باطنها ظاهرها ، وخرج ما فيها من الموتى مسرعين ، يقال : بعثر فلان متاعه ، إذا فرقه وبدده وقلب بعضه على بعض.
والمراد أن التراب الذي كان فيها يبعثر ويزال ، ويخرج الموتى من تلك القبور للحساب والجزاء.
وقوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) جواب (إِذَا) في الآيات الأربع.
أى : إذا تم ذلك ، علمت كل نفس ما قدمت من خير أو شر ، وما أخرت من سنة حسنة ، أو سنة سيئة يعمل بها بعدها.
قال الجمل ما ملخصه : واعلم أن المراد من هذه الآيات أنه إذا وقعت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة ، فهناك يحصل الحشر والنشر ، وهي هنا أربعة : اثنان منها يتعلقان بالعلويات ، واثنان يتعلقان بالسفليات ، والمراد بهذه الآيات : بيان تخريب العالم ، وفناء الدنيا ، وانقطاع التكاليف ... وإنما كررت إذا لتهويل ما في حيزها من الدواهي.
وجواب (إِذَا) وما عطف عليها قوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ) أى : علمت كل نفس وقت هذه المذكورات الأربعة (ما قَدَّمَتْ) من الأعمال وما أخرت منها فلم تعمله.
ومعنى علم النفس بما قدمت وأخرت : العلم التفصيلي. وذلك عند نشر الصحف ـ كما تقدم في سورة التكوير ـ أما العلم الإجمالى فيحصل في أول زمن الحشر ، لأن المطيع يرى آثار السعادة ، والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر ، وأما العلم التفصيلي فإنما يحصل عند قراءة الكتب والمحاسبة ... (١).
وبعد أن أشار ـ سبحانه ـ إلى أهوال علامات الساعة التي من شأنها أن تنبه العقول والحواس والمشاعر ... أتبع ذلك بنداء للإنسان فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٩٨.