وكذلك من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ ورحمته بكم ، أنه أثبت الجبال في الأرض حتى لا تميد أو تضطرب ، فالمقصود بإرساء الجبال : تثبيتها في الأرض.
وقوله ـ تعالى ـ : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) بيان لوجه المنة في خلق الأرض على هذه الطريقة البديعة.
والمتاع : اسم لما يتمتع به الإنسان من منافع الحياة الدنيا لمدة محدودة من الزمان ، وانتصب لفظ «متاعا» هنا بفعل مقدر من لفظه ، أى : متعناكم متاعا.
والمعنى : دحونا الأرض ، وأخرجنا منها ماءها ومرعاها ... لتكون موضع منفعة لكم ، تتمتعون بخيراتها أنتم وأنعامكم ، إلى وقت معين من الزمان ، تتركونها لانتهاء أعماركم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال الأشقياء والسعداء يوم القيامة ، فقال : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى). والطامة : اسم للمصيبة العظمى ، التي تطمّ وتغلب وتعلو ما سواها من مصائب ، من قولهم : طمّ الشيء يطمّه طمّا ، إذا غمره. وكل شيء كثر وعلا على غيره ، فقد طم عليه. ويقال : طم الماء الأرض إذا غمرها.
وهذا الوصف ليوم القيامة ، من أوصاف التهويل والشدة ، لأن أحوالها تغمر الناس وتجعلهم لا يفكرون في شيء سواها.
وجواب الشرط محذوف ، والمجيء هنا : بمعنى الحدوث والوقوع ، أى : فإذا وقعت القيامة ، وقامت الساعة ... حدث ما حدث ما لم يكن في الحسبان من شدائد وأهوال.
وقوله : (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) بدل اشتمال من الجملة التي قبلها وهي قوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ) لأن ما أضيف إليه لفظ «يوم» من الأحوال التي يشملها يوم القيامة ، وتذكر الإنسان لسعيه في الدنيا ، يكون بإطلاعه على أعماله التي نسيها ، ورؤيته إياها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
أى : فإذا قامت القيامة ، وتذكر الإنسان في هذا الوقت ما كان قد نسيه من أعمال في دنياه ، وقع له من الخوف والفزع مالا يدخل تحت وصف ..
وقوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) معطوف على قوله (جاءَتِ). أى : فإذا جاءت الطامة الكبرى ، وتذكر الإنسان فيها ما كان قد نسيه من أعمال دنيوية (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أى : وأظهرت إظهارا واضحا لا خفاء فيه ولا لبس (لِمَنْ يَرى) أى : لكل راء. كان الهول الأعظم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَمَّا مَنْ طَغى ....) تفصيل لأحوال الناس في هذا اليوم.