وسمى هذا الدخان العظيم الخانق بالظل ، على سبيل التهكم بهم ، إذ هم في هذه الحالة يكونون في حاجة شديدة إلى ظل يأوون إلى برده.
ثم وصف ـ سبحانه ـ هذا الظل بصفة ثانية فقال : (لا ظَلِيلٍ) أى : ليس هو بظل على سبيل الحقيقة ، وإنما هو دخان خانق لا برد فيه.
ثم وصفه بصفة ثالثة فقال : (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) أى : أن هذا الظل الذي تنطلقون إليه لا يغنى شيئا من الإغناء ، من حر لهب جهنم التي هي مأواكم ونهايتكم.
وبهذه الصفات يكون لفظ الظل ، قد فقد خصائصه المعروفة من البرودة والشعور عنده بالراحة .. وصار المقصود به ظلا آخر ، لا برد فيه ، ولا يدفع عنهم شيئا من حر اللهب.
وهذه الصفات إنما جيء بها لدفع ما يوهمه لفظ «ظل».
وعدى الفعل «يغنى» بحرف من ، لتضمنه معنى يبعد.
والضمير في قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ..) لجهنم ، لأن السياق كله في شأنها وفي شأن المصطلين بلهيبها.
والشرر : واحده شررة ، وهي القطعة التي تتطاير من النار لشدة اشتعالها.
والقصر : البناء العالي المرتفع. وقيل : هو الغليظ من الشجر. أو هو قطع من الخشب ، يجمعها الجامعون للاستدفاء بها من البرد. وقوله : (جِمالَتٌ) جمع جمل ـ كحجارة وحجر.
قال الآلوسى : «جمالة» بكسر الجيم ـ كما قرأ به حمزة والكسائي وحفص وهو جمع جمل.
والتاء لتأنيث الجمع. يقال : جمل وجمال وجمالة .. والتنوين للتكثير.
وقرأ الجمهور جمالات ـ بكسر الجيم مع الألف والتاء ـ جمع جمال .. فيكون جمع الجمع .. (١).
والمعنى : إنها ـ أى : جهنم ـ ترمى المكذبين بالحق ، الذين هم وقودها ، ترميهم بشرر متطاير منها لشدة اشتعالها ، كل واحدة من هذا الشرر كأنها البناء المرتفع في عظمها وارتفاعها.
وقوله ـ تعالى ـ : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) وصف آخر للشرر ، أى : كأن هذا الشرر في هيئته ولونه وسرعة حركته .. جمال لونها أصفر.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٢٦.