والمعنى : أأمنتم ـ أيها الناس ـ من في السماء وهو الله ـ عزوجل ـ أن يذهب الأرض بكم ، فيجعل أعلاها أسفلها .. فإذا هي تمور بكم وتضطرب ، وترتج ارتجاجا شديدا تزول معه حياتكم.
فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره ، بهذا العذاب الشديد ، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه.
والباء في قوله (بِكُمُ) للمصاحبة. أى : يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم ، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم ..
ثم انتقل ـ سبحانه ـ من تهديدهم بالخسف إلى تهديدهم بعذاب آخر فقال : (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ).
أى : بل أأمنتم ـ أيها الناس ـ من السماء ، وهو الله ـ عزوجل ـ بسلطانه وقدرته .. أن يرسل عليكم (حاصِباً) أى : ريحا شديدة مصحوبة بالحصى والحجارة التي تهلك ، فحينئذ ستعلمون عند معاينتكم للعذاب ، كيف كان إنذارى لكم متحققا وواقعا وحقا ..
فالاستفهام في الآيتين المقصود به التعجيب من أمنهم عذاب الله ـ تعالى ـ عند مخالفتهم لأمره ، وخروجهم عن طاعته.
وقدم ـ سبحانه ـ التهديد بالخسف على التهديد بإرسال الحاصب ، لأن الخسف من أحوال الأرض ، التي سبق أن بين لهم أنه خلقها مذللة لهم ، وفيها ما فيها من منافعهم ، فهذه المنافع ليس عسيرا على الله ـ تعالى ـ أن يحولها إلى عذاب لهم ..
ثم ذكرهم ـ سبحانه ـ بما جرى للكافرين السابقين فقال : (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ..
أى : وو الله لقد كذب الذين من قبل كفار مكة من الأمم السابقة ، كقوم نوح وعاد وثمود .. فكان إنكارى عليهم ، وعقابي لهم ، شديدا ومبيرا ومدمرا لهم تدميرا تاما.
فالنكير بمعنى الإنكار ، والاستفهام في قوله : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) للتهويل.
أى : إن إنكارى عليهم كفرهم كان إنكارا عظيما ، لأنه ترتب عليه ، أن أخذتهم أخذ عزيز مقتدر.
كما قال ـ تعالى ـ : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ، وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ،