قال الإمام ابن كثير : قوله : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أى : يعلمون أن هذا الرسول حق ، فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله .. (١).
وقال الآلوسى : وأخرج الترمذي وابن مردويه عن جابر قال : قال ناس من اليهود ، لأناس من المسلمين : هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ فأخبروا بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «هكذا وهكذا» في مرة عشرة. وفي مرة تسعة.
وقال الآلوسى : واستشعر من هذا أن الآية مدنية ، لأن اليهود إنما كانوا فيها ، وهو استشعار ضعيف ، لأن السؤال لصحابى فلعله كان مسافرا فاجتمع بيهودي حيث كان .. ـ وأيضا ـ لا مانع إذ ذاك من إتيان بعض اليهود نحو مكة .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) معطوف على قوله : (لِيَسْتَيْقِنَ ..) وهو مؤكد لما قبله ، من الاستيقان وازدياد الإيمان ، ونفى لما قد يعترى المستيقن من شبهة عارضة.
أى : فعلنا ما فعلنا ليكتسب أهل الكتاب اليقين من نبوته صلىاللهعليهوسلم وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم. ولتزول كل ريبة أو شبهة قد تطرأ على قلوب الذين أوتوا الكتاب ، وعلى قلوب المؤمنين ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) بيان لعلة أخرى لكون خزنة سقر تسعة عشر.
أى : ما جعلنا عدتهم كذلك إلا فتنة للذين كفروا ، وإلا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب من صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وإلا ليزداد الذين آمنوا إيمانا ، وإلا لنزول الريبة من قلوب الفريقين ، وإلا ليقول الذين في قلوبهم مرض ، أى : شك وضعف إيمان ، وليقول الكافرون المصرون على التكذيب : ما الأمر الذي أراده الله بهذا المثل ، وهو جعل خزنة سقر تسعة عشر؟ فالمقصود بالاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) الإنكار. والإشارة بهذا مرجعها إلى قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) وقوله : (مَثَلاً) حال من اسم الإشارة ، والمراد به العدد السابق. وسموه مثلا لغرابته عندهم. أى : ما الفائدة في أن تكون عدة خزنة سقر تسعة عشر ، وليسوا أكثر أو أقل؟ وهم يقصدون بذلك نفى أن يكون هذا العدد من عنده ـ تعالى ـ.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ص ٨ ص ٢٩٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٢٧.