ثم صور ـ سبحانه ـ حال هذا الشقي تصويرا بديعا يثير السخرية منه ومن تفكيره فقال : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) أى : إن هذا الشقي ردد فكره وأداره في ذهنه ، وقدّر وهيأ في نفسه كلاما شنيعا يقوله في حق الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي حق القرآن الكريم.
يقال : قدّر فلان الشيء في نفسه ، إذا هيأه وأعده ..
والجملة الكريمة تعليل للوعيد والزجر ، وتقرير لاستحقاقه له ، أو بيان لمظاهر عناده ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) تعجيب من تفكيره وتقديره ، وذم شديد له على هذا التفكير السّيّئ ...
أى : إنه فكر مليا ، وهيأ نفسه طويلا للنطق بما يقوله في حق الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي حق القرآن ، (فَقُتِلَ) أى : فلعن ، أو عذب ، وهو دعاء عليه (كَيْفَ قَدَّرَ) أى : كيف فكر هذا التفكير العجيب البالغ النهاية في السوء والقبح.
وقوله : (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) تكرير للمبالغة في ذمه ، والتعجيب من سوء تقديره ، وفي الدعاء عليه باللعن والطرد من رحمته ـ تعالى ـ.
والعطف بثم لإفادة التفاوت في الرتبة ، وأن الدعاء عليه والتعجيب من حاله في الجملة الثانية ، أشد منه في الجملة الأولى.
وقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ...) تصوير آخر لحالة هذا الشقي ، يرسم حركات جسده ، وخلجات قلبه ، وتقاطيع وجهه .. رسما بديعا ، يثير في النفوس السخرية من هذا الشقي.
أى : إنه فكر تفكيرا مليا ، وقدر في نفسه ما سيقوله في شأن النبي صلىاللهعليهوسلم تقديرا طويلا ، ... ولم يكتف بكل ذلك ، بل فكر وقدر (ثُمَّ نَظَرَ) أى : ثم نظر في وجوه من حوله نظرات يكسوها الجد المصطنع المتكلف ، حتى لكأنه يقول لهم : اسمعوا وعوا لما سأقوله لكم ..
(ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) أى : ثم قطب ما بين عينيه حين استعصى عليه أن يجد في القرآن مطعنا ، وكلح وجهه ، وتغير لونه ، وارتعشت أطرافه ، حين ضاقت عليه مذاهب الحيل ، في أن يجد في القرآن مطعنا.
يقال : عبس فلان يعبس عبوسا ، إذا قطب جبينه. وأصله من العبس وهو ما تعلق بأذناب الإبل من أبوالها وأبعارها بعد أن جف عليها.
ويقال : بسر فلان يبسر بسورا ، إذا قبض ما بين عينيه كراهية للشيء.
ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ.).