وقال الحسن البصري : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ، وعن مجاهد : لا تضعف أن تستكثر من الخير.
وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس : تستكثرهم بها ، تأخذ على ذلك عوضا من الدنيا.
فهذه أربعة أقوال ، والأظهر القول الأول ـ المروي عن ابن عباس وغيره ـ (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أى : وعليك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن توطن نفسك على الصبر ، على التكاليف التي كلفك بها ربك ، وأن تتحمل الآلام والمشاق في سبيل دعوة الحق ، بعزيمة صادقة ، وصبر جميل ، وثبات لا يخالطه تردد أو ضعف.
فهذه ست وصايا قد اشتملت على ما يرشد إلى التحلي بالعقيدة السليمة ، والأخلاق الكريمة.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من أهوال يوم القيامة فقال : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ).
والفاء في قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) للسببية. والناقور ـ بزنة فاعول : من النقر ، وهو اسم لما ينقر فيه ، أى : لما ينادى فيه بصوت مرتفع. والمراد به هنا : الصور أو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل بأمر الله ـ تعالى ـ النفخة الثانية التي يكون بعدها الحساب والجزاء.
والفاء في قوله : (فَذلِكَ) واقعة في جواب (فَإِذا) واسم الإشارة يعود إلى مدلول النقر وما يترتب عليه من حساب وجزاء. وقوله (يَوْمَئِذٍ) بدل من اسم الإشارة.
والتنوين فيه عوض عن جملة وقوله : (عَسِيرٌ) و (غَيْرُ يَسِيرٍ) صفتان لليوم.
أى : أنذر ـ أيها الرسول الكريم ـ الناس ، وبلغهم رسالة ربك ، واصبر على أذى المشركين ، فإنه إذا نفخ إسرافيل بأمرنا النفخة الثانية ، صار ذلك النفخ وما يترتب عليه من أهوال ، وقتا وزمانا عسير أمره على الكافرين ، وغير يسير وقعه عليهم.
ووصف اليوم بالعسير ، باعتبار ما يقع فيه من أحداث يشيب من هولها الولدان.
وقوله : (غَيْرُ يَسِيرٍ) تأكيد لمعنى (عَسِيرٌ) كما يقال : هذا أمر عاجل غير آجل.
قال صاحب الكشاف فإن قلت : ما فائدة قوله : (غَيْرُ يَسِيرٍ) وقوله : (عَسِيرٌ) مغن عنه؟ قلت : لما قال (عَلَى الْكافِرِينَ) فقصر العسر عليهم قال : (غَيْرُ يَسِيرٍ) ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ، ليجمع بين وعيد الكافرين
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٩٠.