لمن قال : إن فرض الزكاة نزل بمكة ، لكن مقادير النصاب لم تبين إلا بالمدينة .. (١).
وقوله : (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً). والقرض : ما قدمته لغيرك من مال ، على أن يرده إليك بعد ذلك. والمراد من إقراض الله ـ تعالى ـ : إعطاء الفقراء والمساكين ما يحتاجونه على سبيل المعاونة والمساعدة.
وشبه ـ سبحانه ـ إعطاء الصدقة للمحتاج ، بقرض يقدم له ـ تعالى ـ ، للإشعار بأن ما سيعطى لهذا المحتاج ، سيعود أضعافه على المعطى. لأن الله ـ تعالى ـ قد وعد أن يكافئ على الصدقة بعشر أمثالها ، وهو ـ سبحانه ـ بعد ذلك يضاعف لمن يشاء الثواب والعطاء.
ووصف القرض بالحسن ، لحض النفوس على الإخلاص وعلى البعد عن الرياء والأذى .. ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) أى : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأقرضوا الله قرضا حسنا ، وافعلوا ما تستطيعونه ـ بعد ذلك ـ من وجوه الخير ، وما تقدموا لأنفسكم من هذا الخير الذي يحبه ـ سبحانه ـ (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ). أى : تجدوا ثوابه وجزاءه عند الله ـ تعالى ـ ، ففي الكلام إيجاز بالحذف ، وقد استغنى عن المحذوف بذكر الجزاء عليه. والهاء في قوله (تَجِدُوهُ) هو المفعول الأول.
والضمير المنفصل في قوله : (هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) هو ضمير الفصل .. و (خَيْراً) هو المفعول الثاني. أى : كل فعل موصوف بأنه خير ، تقدمونه عن إخلاص لغيركم ، لن يضيع عند الله ـ تعالى ـ ثوابه ، بل ستجدون جزاءه وثوابه مضاعفا عند الله ـ تعالى ـ.
(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أى : وواظبوا على الاستغفار وعلى التوبة النصوح ، وعلى التضرع إلى الله ـ تعالى ـ أن يغفر لكم ما فرط منكم ، فإنه ـ سبحانه ـ واسع المغفرة والرحمة ، لمن تاب إليه وأناب ..
وبعد : فهذا تفسير لسورة «المزمل» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.
|
الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى |
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٨٦.