ونظير هذه الآية قوله ـ تعالى ـ في سورة الصافات : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (١).
وقوله : (زَيَّنَّا) من التزيين بمعنى التحسين والتجميل. و (الدُّنْيا) صيغة تفضيل من الدنو بمعنى القرب.
والمصابيح : جمع مصباح وهو السراج المضيء. والمراد بها النجوم. وسميت بالمصابيح على التشبيه بها في حسن المنظر ، وفي الإضاءة ليلا ..
والرجوم : جمع رجم ، وهو في الأصل مصدر رجمه رجما ـ من باب نصر ـ إذا رماه بالرّجام أى : بالحجارة ، فهو اسم لما يرجم به ، أى : ما يرمى به الرامي غيره من حجر ونحوه ، تسمية للمفعول بالمصدر ، مثل الخلق بمعنى المخلوق.
وصدرت الآية الكريمة بالقسم ، لإبراز كمال العناية بمضمونها.
والمعنى : وبالله لقد زينا وجملنا السماء القريبة منكم بكواكب مضيئة كإضاءة السّرج ، وجعلنا ـ بقدرتنا ـ من هذه الكواكب ، ما يرجم الشياطين ويحرقها ، إذا ما حاولوا أن يسترقوا السمع ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٢).
قال الإمام ابن كثير : قوله : (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) عاد الضمير في قوله (وَجَعَلْناها) على جنس المصابيح لا على عينها ، لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها ـ والله أعلم ـ.
قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به .. (٣).
فالضمير في قوله : (وَجَعَلْناها) يعود إلى المصابيح ، ومنهم من أعاده إلى السماء الدنيا ، على تقدير : وجعلنا منها رجوما للشياطين الذين يسترقون السمع.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) بيان لسوء مصيرهم في الآخرة ، بعد بيان سوء مصيرهم في الدنيا عن طريق إحراقهم بالشهب.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ١٧٣.
(٢) سورة الجن الآيتان ٨ ، ٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٠٤.