وقال القرطبي : التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئ الإخوان.
وقال الفقهاء : التوبة التي لا تعلق لها بحق آدمي لها ثلاثة شروط : أحدها أن يقلع عن المعصية ، وثانيها : أن يندم على ما فعله ، وثالثها : أن يعزم على أن لا يعود إليها.
فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة كانت نصوحا.
وإن كانت تتعلق بحق آدمي ، فشروطها أربعة ، هذه الثلاثة المتقدمة ، والرابع أن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت المعصية مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه من نفسه ، أو طلب العفو منه ، وإن كانت غيبة استحله منها.
وهي واجبة من كل معصية على الفور ، ولا يجوز تأخيرها .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
والرجاء المستفاد من فعل (عَسى) مستعمل هنا في الوعد الصادق منه ـ تعالى ـ على سبيل الكرم والفضل ، فقد قالوا إن كل ترج في القرآن واقع منه ـ تعالى ـ فضلا منه وكرما.
أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، توبوا إلى الله ـ تعالى ـ «توبة صادقة» بحيث تندمون على ما فرط منكم من ذنوب ، وتعزمون على عدم العودة إليها ، وتستمرون على توبتكم طوال حياتكم .. فإنكم متى فعلتم ذلك غفر الله ـ تعالى ـ لكم ذنوبكم : وكفر عنكم سيئاتكم ، وأدخلكم جنات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار.
قال صاحب الكشاف : قوله : (عَسى رَبُّكُمْ) : إطماع من الله لعباده. وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل. ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. والثاني : أن يجيء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء .. (٢).
والظرف في قوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) منصوب بقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (يُدْخِلَكُمْ) ، أو بفعل مضمر تقديره : اذكر.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٩٤.
(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٧٠.