وشداد : جمع شديد ، وهو المتصف بالقوة والشدة ، يقال : فلان شديد على فلان ، أى : قوى عليه ، بحيث يستطيع أن ينزل به ما يريد من الأذى والعقاب.
أى : هذه النار من صفاتها ـ أيضا ـ أن الموكلين بإلقاء الكفار والفساق فيها ، ملائكة قساة في أخذهم أهل النار ، أقوياء عليهم ، بحيث لا يستطيع أهل النار أن يفلتوا منهم ، أو أن يعصوا لهم أمرا.
وهؤلاء الملائكة من صفاتهم كذلك أنهم لا يعصون لله ـ تعالى ـ أمرا. وإنما ينفذون ما يكلفهم ـ سبحانه ـ به تنفيذا تاما.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت أليس الجملتان ـ لا يعصون .. ويفعلون في معنى واحد؟
قلت : لا فإن معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به ، ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما تقوله الملائكة لأهل النار عند ما يعرضون عليها فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) والمراد باليوم ، يوم القيامة فأل فيه للعهد.
أى : تقول الملائكة لهم في هذا اليوم العسير على سبيل التبكيت والتوبيخ ـ لا تعتذروا ـ أيها الكافرون عن كفركم ، بأن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أو بأن غيرنا أضلنا ، أو بأننا ما كنا مشركين ... فإن هذه الأعذار لن تنفعكم ، وأنتم في هذا اليوم إنما تعاقبون على كفركم في الدنيا ، وعلى إصراركم على ذلك حتى أدرككم الموت.
فالآية الكريمة توبيخ للكافرين ، وتيئيس لهم من قبول أعذارهم الكاذبة.
ثم يرشد ـ سبحانه ـ المؤمنين ، إلى ما يعينهم على الوقاية من النار فيقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ...).
والتوبة : العزم الصادق على عدم العودة إلى المعصية والندم على ما فعله منها في الماضي ، والنصوح صيغة مبالغة من النصح ، وصفت بها التوبة على سبيل الإسناد المجازى ، والمقصود وصف التائبين بها ، من نصح فلان التوب إذا خاطه ، فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية. أو من قولهم : عسل ناصح.
وقد ذكروا في معنى هذه الجملة أكثر من عشرين وجها.
قال القرطبي ما ملخصه : اختلفت عبارة العلماء ، وأرباب القلوب ، في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ، فقيل : هي التي لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
وقال قتادة : النصوح الصادقة الناصحة .. الخالصة.