إدراك الشيء وفعله ، ومنه رجل ثقف إذا كان سريع الفهم ، ويقال : ثقفت الرجل في الحرب إذا أدركته وظفرت به.
أى : إن يظفر بكم هؤلاء الأعداء ـ أيها المؤمنون ـ ويتمكنوا منكم ، يظهروا لكم ما انطوت عليه قلوبهم نحوكم من بغضاء : ولا يكتفون بذلك ، بل يمدون إليكم أيديهم بما يضركم ، وألسنتهم مما يؤذيكم.
ثم هم بعد كل ذلك يودون ويتمنون أن تصيروا كفارا مثلهم.
فأنت ترى أن الآية الكريمة ، قد وضحت أن هؤلاء الكافرين ، قد سلكوا في عداوتهم للمؤمنين كل مسلك ، فهم عند تمكنهم من المؤمنين يظهرون حقدهم القديم ، ويؤذونهم بأيديهم وألسنتهم ، ويتمنون في جميع الأحوال أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين.
وقال ـ سبحانه ـ : (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ ..) للإشعار بكثرة ما ينزلونه بالمؤمنين من أذى ، إذ التعبير بالبسط يدل على الكثرة والسعة.
وقوله : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) معطوف على جملة الشرط والجزاء ، ويكون ـ سبحانه ـ قد أخبر عنهم بخبرين :
أحدهما : ما تضمنته الجملة الشرطية من عداوتهم للمؤمنين.
وثانيهما : تمنيهم ارتدادهم من الإيمان إلى الكفر.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله ، ثم قال : (وَوَدُّوا) بلفظ الماضي؟
قلت : الماضي وإن كان يجرى في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب. فإن فيه نكتة ، كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم. يعنى : أنهم يريدون ان يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا ، من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض ، وردكم كفارا.
وهذا الرد إلى الكفر أسبق المضار عندهم وأولها ، لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم ، لأنكم بذالون لها دونه. والعدو أهم شيء عنده ، أن يقصد أعز شيء عند صاحبه (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الآثار السيئة التي تترتب على ضلالهم عن سواء السبيل فقال : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ. وَلا أَوْلادُكُمْ ، يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ...).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥١٣.