وهذه الجملة جيء بها على سبيل العتاب والتعجيب ممن في قلبه مودة لهؤلاء الكافرين ، بعد أن بين الله ـ تعالى ـ له ، ما يوجب قطع كل صلة بهم.
ومفعول (تُسِرُّونَ) محذوف. أى : ترسلون إليهم أخبار المسلمين سرا ، بسبب مودتكم لهم؟ وجملة : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) هي مناط التعجيب ممن يتخذ هؤلاء الأعداء أولياء. أو من يسر إليهم بالمودة ، وهي حالية من فاعل (تُلْقُونَ) و (تُسِرُّونَ).
أى : تفعلون ما تفعلون من إلقاء المودة إلى عدوى وعدوكم ، ومن إسراركم بها إليهم والحال أنى أعلم منهم ومنكم بما أخفيتموه في قلوبكم ، وما أعلنتموه ، ومخبر رسولنا صلىاللهعليهوسلم بذلك.
وما دام الأمر كذلك فكيف أباح بعضكم لنفسه ، أن يطلع عدوى وعدوكم على ما لا يجوز اطلاعه عليه؟!
قال الآلوسى : قوله : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) في موضع الحال و (أَعْلَمُ) أفعل تفضيل. والمفضل عليه محذوف. أى : منكم ... و (ما) موصولة أو مصدرية ، وذكر (ما أَعْلَنْتُمْ) مع الاستغناء عنه ، للإشارة إلى تساوى العلمين في علمه ـ عزوجل ـ.
ولذا قدم (بِما أَخْفَيْتُمْ). وفي هذه الحال إشارة إلى أنه لا طائل لهم في إسرار المودة إليهم كأنه قيل : تسرون إليهم بالمودة والحال أنى أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ، ومطلع رسولي على ما تسرون ، فأى فائدة وجدوى لكم في الإسرار؟ (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة ببيان سوء عاقبة من يخالف أمره فقال : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
والضمير في قوله : (يَفْعَلْهُ) يعود إلى الاتخاذ المفهوم من قوله (لا تَتَّخِذُوا).
أى ومن يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء. ويلقى إليهم بالمودة ، فقد أخطأ طريق الحق والصواب. وضل عن الصراط المستقيم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال هؤلاء الأعداء عند ما يتمكنون من المؤمنين فقال : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ، وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ).
ومعنى (يَثْقَفُوكُمْ) يظفروا بكم ، ويدركوا طلبتهم منكم. وأصل الثقف : الحذق في
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٦٨.