(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ ، وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
أى : هو ـ سبحانه ـ رب مشرق الشمس في الشتاء والصيف ، ورب مغربها فيهما ، وفي هذا التدبير المحكم منافع عظمى للإنسان والحيوان والنبات.
ولا تعارض بين هذه الآية ، وبين قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ...) (١). لأن المراد بهما جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستون مشرقا ، وعلى كل مغرب من مغاربها التي هي كذلك.
أو بين قوله ـ تعالى ـ في آية ثالثة : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (٢). أى : ورب جميع المشارق التي تشرق منها الشمس في كل يوم على مدار العام إذ لها في كل يوم مشرق معين تشرق منه ، ولها في كل يوم أيضا ـ مغرب تغرب فيه.
ثم قال ـ سبحانه ـ : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ).
وقوله : (مَرَجَ) من المرّج بمعنى الإرسال والتخلية ، ومنه قولهم : مرج فلان دابته. إذا أرسلها إلى المرج ، وهو المكان الذي ترعى فيه الدواب.
ويصح أن يكون من المرج بمعنى الخلط ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أى : مختلط ، وقيل للمرعى : مرج لاختلاط الدواب فيه بعضها ببعض.
والمراد بالبحرين : البحر العذب ، والبحر الملح. والبرزخ : الحاجز الذي يحجز بينهما ، بقدرة الله ـ تعالى ـ.
والمعنى : خلق الله ـ تعالى ـ البحرين ، وأرسلهما بقدرته في مجاريهما ، بحيث يلتقيان ويتصل أحدهما بالآخر ، ومع ذلك لم يختلطا ، بل يبقى المالح على ملوحته. والعذب على عذوبته ، لأن حكمة الله قد اقتضت أن يفصل بينهما ، بحواجز من أجرام الأرض ، أو بخواص في كل منهما ، تمنعهما هذه الخواص وتلك الحواجز ، من أن يختلطا ، ولو لا ذلك لاختلطا وامتزجا ، وهذا من أكبر الأدلة على قدرة الله ـ تعالى ـ ، ورحمته بعباده ، إذ أبقى الله ـ تعالى ـ المالح على ملوحته ، والعذب على عذوبته ، لينتفع الناس بكل منهما في مجال الانتفاع به ...
__________________
(١) سورة المزمل الآية ٩.
(٢) سورة الصافات الآية ٥.