يشعر بأن آثار الضيق قد ظهرت على وجوههم ، والتعبير بقوله ـ تعالى ـ (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) ، يشعر بانتشار الرجاء والفرح والانشراح على الوجوه بعد أن حل بها القنوط.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) يشعر بقرب الله ـ تعالى ـ من عباده ، وبوجوب شكره على ما أعطى بعد المنع ، وعلى ما فرج بعد الضيق.
ثم بين ـ سبحانه ـ لونا آخر من ألوان كمال قدرته فقال : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ).
والمراد بالآيات هنا : الدلائل والعلامات الواضحة الدالة على كمال قدرته ـ عزوجل ـ.
وقوله : (وَما بَثَ) معطوف على (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
أى : ومن العلامات الناصعة الدالة على كمال قدرته ـ تعالى ـ خلقه للسموات وللأرض بتلك الصورة الباهرة البديعة التي نشاهدها بأعيننا ، وخلقه ـ أيضا ـ لما بث فيهما من دابة ، ولما نشر وفرق فيهما من دواب لا يعلم عددها إلا الله ـ تعالى ـ.
والدابة : اسم لكل ما يدب على وجه الأرض أو غيرها. وظاهر الآية الكريمة يفيد وجود دواب في السموات.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قال : (فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) والدواب في الأرض وحدها؟.
قلت : يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان متلبسا ببعضه كما يقال : بنو تميم فيهم شاعر مجيد ، أو شجاع بطل ، وإنما هو في فخذ من أفخاذهم.
ويجوز أن يكون للملائكة ـ عليهمالسلام ـ مشى مع الطيران ، فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسى ، ولا يبعد أن يخلق ـ سبحانه ـ في السموات حيوانا يمشى فيها مشى الأناسى على الأرض ، سبحان الذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) بيان لكمال قدرته ـ عزوجل ـ.
أى : وهو ـ سبحانه ـ قادر قدرة تامة على جمع الخلائق يوم القيامة للحساب والجزاء.
كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٥٥.