قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) أى : ألهم ، والميم صلة الهمزة للتقريع.
وهذا متصل بقوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) وقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ). كانوا لا يؤمنون به ، فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله؟ وإذا استحال هذا فالله لم يشرع الشرك ، فمن أين يدينون به (١).
فالآية الكريمة تنكر عليهم شركهم بأبلغ أسلوب ، وتؤنبهم على جهالتهم حيث أشركوا بالله ـ تعالى ـ : دون أن يكون عندهم دليل أو ما يشبه الدليل على صحة ما وقعوا فيه من باطل.
والمراد بكلمة الفصل في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ما تفضل به ـ سبحانه ـ من تأخير العذاب الماحق عنهم.
أى : ولو لا حكمنا بتأخير العذاب عنهم ـ فضلا منا وكرما ـ لقضى الأمر بين هؤلاء الكافرين وبين المؤمنين ، بأن أهلكنا الكافرين واستأصلنا شأفتهم في الدنيا ، ولكن شاء ربك أن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة.
(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة ، بسبب إصرارهم على ظلمهم وموتهم على الكفر والشرك.
ثم صور ـ سبحانه ـ أحوالهم السيئة يوم القيامة تصويرا مؤثرا فقال : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ).
أى : ترى ـ أيها العاقل ـ هؤلاء الظالمين يوم القيامة (مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) أى خائفين خوفا شديدا ، بسبب ما اكتسبوه في الدنيا من سيئات على رأسها الكفر ، وهذا الذعر الشديد لن ينفعهم ، فإن العذاب واقع بهم لا محالة ، سواء أخافوا أم لم يخافوا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ..) بيان للثواب العظيم الذي أعده الله ـ تعالى ـ لعباده المؤمنين.
والروضات : جمع روضة ، وهو أشرف بقاع الجنة وأطيبها وأعلاها.
أى : هذا هو مصير الظالمين يوم القيامة ، أما الذين آمنوا وعملوا في دنياهم الأعمال
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ١٩.