وكان مغنما لأن المسلمين غنموا من ورائه انتشار الدعوة الإسلامية في آفاق الأرض.
واللام في قوله : (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) متعلقة بمحذوف ، أى فعل ما فعل من التعجيل والكف لتكون تلك النعم والبشارات علامات للمؤمنين على رعاية الله ـ تعالى ـ لهم ، ورضاه عنهم.
(وَيَهْدِيَكُمْ) أيها المؤمنون (صِراطاً مُسْتَقِيماً) أى : طريقا واضحا قويما ، به تصلون إلى ما تبغونه من عزة وأمان.
وقوله : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها ...) معطوف على (هذِهِ).
أى : فعجل لكم هذه المغانم ، وعجل لكم مغانم أخرى ، لم تقدروا على الحصول عليها قبل ذلك لبعدها عن أن تنالها أيديكم. وقد أحاط الله بها لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).
وتختلف الأقوال في هذه المغانم الأخرى فمنهم من يرى أنها فتح مكة ، ومنهم من يرى أنها فتح خيبر. ومنهم من يرى أنها مغانم هوازن وثقيف ، ومنهم من يرى أنها مغانم المسلمين من الفرس والروم.
ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال أولها ، لأنه ترتب على هذا الصلح في الحديبية أن فتحت مكة بعد سنتين منه ، بسبب نقض المشركين له ، وقد تم فتحا بدون قتال يذكر ، بعد أن حدث ما حدث بين المسلمين وبين مشركي مكة من قتال انتصر فيه المسلمون تارة كغزوة بدر ، وانتصر فيه المشركون أخرى كغزوة أحد ...
فالمسلمون لم يقدروا على دخول مكة إلا في عام الفتح ، وبعد أن أحاط الله ـ تعالى ـ بها بقدرته التي لا يغلبها شيء ، وبعد أن استعصت على المسلمين زمنا طويلا ، وقد سلمها ـ سبحانه ـ لهم بأقل أنواع القتال (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).
والذي يتأمل في هذه الآيات الكريمة يرى الله ـ تعالى ـ ، قد بشر المسلمين الذين شهدوا صلح الحديبية ببشارات متعددة.
بشرهم ـ أولا ـ برضاه عنهم ـ وهذه أسمى بشارة وأعلاها ..
وبشرهم ـ ثانيا ـ بتفضله عليهم بمنحهم السكينة والطمأنينة التي تجعلهم في ثبات وأمان ..
وبشرهم ـ ثالثا ـ بفتوحات وغنائم منها القريب العاجل ، ومنها الآجل المتحقق ، الذي يكاد لتحققه أن يشاهدوه بأعينهم لأن الله ـ تعالى ـ وعد به ووعده لا يتخلف.