«أنتم خير أهل الأرض ..» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) بشارة أخرى لهؤلاء المؤمنين الصادقين.
أى : لقد رضى ـ سبحانه ـ عن الذين بايعوك تحت الشجرة ـ أيها الرسول الكريم ـ حيث علم ما في قلوبهم من الصدق والإخلاص وإيثار الآخرة على الأولى ، فأنزل السكينة والطمأنينة والأمان عليهم ، (وَأَثابَهُمْ) أى : وأعطاهم ومنحهم فتحا قريبا ، وهو فتح خيبر ، الذي كان بعد صلح الحديبية بأقل من شهرين.
وقيل المراد به : فتح مكة ، والأول أرجح ، لأن فتح خيبر لم يكن فتح أقرب منه ، ولأن المسلمين قد أصابوا من فتح خيبر غنائم كثيرة.
وقد أشار ـ سبحانه ـ بعد ذلك إلى تلك الغنائم فقال : (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ...).
أى : وأثابكم مغانم كثيرة تأخذونها من خيبر. (وَكانَ اللهُ) ـ تعالى ـ وما زال (عَزِيزاً) أى : غالبا (حَكِيماً) في كل أفعاله وأحكامه.
(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها ...) أيها المؤمنون من أعدائكم في مستقبل أيامكم.
وقد صدق الله ـ تعالى ـ وعده معهم ، فلقد غنموا بعد ذلك من بلاد فارس والروم وغيرهما.
والإشارة في قوله (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) تعود إلى مغانم خيبر ، كما روى عن مجاهد ـ وعليه يكون المراد بالناس في قوله : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) أهل خيبر وحلفاءهم من بنى أسد وغطفان حين جاءوا لنصرة يهود خيبر ، فألقى الله الخوف في قلوبهم جميعا.
ويرى بعض المفسرين أن الإشارة في قوله : (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) إلى صلح الحديبية وقد روى ذلك عن ابن عباس.
وعليه يكون المراد بالناس في قوله : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) مشركي قريش ، أى : منعهم من حربكم ، بأن قذف في قلوبهم الرعب منكم.
ويبدو لنا أن هذا الرأى الذي قاله ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ هو الأقرب إلى الصواب ، لأنه يتسق مع سياق الآيات ، ولأنه يؤكد أن صلح الحديبية كان فتحا ومغنما ، كان فتحا بدليل قول الرسول صلىاللهعليهوسلم لمن شك في ذلك : «أى والذي نفسي بيده إنه لفتح»
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٠٨.