ثم لقن الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم الرد الذي يخرسهم فقال : (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ ...) أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المخلفين ـ على سبيل الإقناط والتيئيس والزجر ـ لا تتبعونا ونحن متجهون إلى خيبر لفتحها. فالنفي في قوله (لَنْ تَتَّبِعُونا) بمعنى النهى للمبالغة في منعهم من الخروج مع المؤمنين إلى خيبر.
وقوله : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) أى : مثل هذا النهى الصادر منى قد قاله الله ـ تعالى ـ من قبل رجوعنا من الحديبية ، فقد أمرنى بمنعكم من الخروج معى إلى خيبر ، وبحرمانكم من غنائمها ، عقابا لكم على معصيتكم لي ، وعلى سوء ظنكم بي وبأصحابى .. ثم حكى ـ سبحانه ـ ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد مجابهتهم بتلك الحقيقة فقال : (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا ، بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
أى : فسيقولون لك ـ أيها الرسول الكريم ـ بعد منعك إياهم من الخروج معكم إلى خيبر ، وبعد أن ذكرت لهم حكم الله فيهم .. سيقولون لك على سبيل السفاهة وسوء الأدب : أنتم أيها المؤمنون تريدون بسبب هذا المنع من الخروج معكم إلى خيبر ، أن تحسدونا وتمنعونا حقنا في الغنيمة ، والله ـ تعالى ـ لم يأمركم بمنعنا ، وإنما أنتم الذين فعلتموه حسدا لنا.
وقوله : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) إضراب عن قولهم هذا على سبيل التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم أى : ليس الحق كما زعموا ، بل الحق أنهم قوم دأبهم الحمق والجهالة ، ولا يفقهون من أمور الدين إلا فقها قليلا ، لا يسمن ولا يغنى من جوع.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين حرفى الإضراب؟ قلت : الأول إضراب معناه : رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد. والثاني : إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين ، إلى وصفهم بما هو أطم منه ، وهو الجهل وقلة الفقه .. (١).
ثم فتح ـ سبحانه ـ أمام هؤلاء المخلفين من الأعراب باب التوبة ، فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يدعوهم إلى الجهاد معه ، فإن صدقوا أفلحوا ، وإن أعرضوا خسروا فقال : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المخلفين من الأعراب عن الخروج معك ، ستدعون في المستقبل إلى القتال معى لقوم أصحاب قوة وشدة في الحرب ، فيكون بينكم وبينهم أمران لا ثالث لهما : إما قتالكم لهم ، وإما الإسلام منهم.
«فأو» في قوله (أَوْ يُسْلِمُونَ) للتنويع والحصر. وجملة «تقاتلونهم أو يسلمون»
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٢٨.