به من عند ربه ، ويطيعه في كل ما أمر به أو نهى عنه ، عاقبناه عقابا شديدا ، فإنا قد هيأنا للكافرين نارا مسعرة ، تحرق الأبدان ، وتشوى الوجوه ..
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه هو المالك لكل شيء فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وتصرفا (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه.
(وَكانَ) ـ سبحانه ـ وما زال (غَفُوراً) أى : واسع المغفرة (رَحِيماً) أى : واسع الرحمة.
ثم عادت السورة الكريمة إلى حكاية أقوال هؤلاء المنافقين ، وإلى الرد عليها ، فقال ـ تعالى ـ : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ ..).
والمراد بالمخلفين هنا : السابقون الذين وصفوا بأنهم من الأعراب ، فاللام للعهد.
أى : سيقول المخلفون عن الخروج معك يا محمد إلى مكة بعد أن خاب ظنهم فرجعتم سالمين إليهم بعد صلح الحديبية ، سيقولون لك ولأصحابك : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أى : اتركونا لنسير معكم ، لنشارككم في جمع الغنائم التي تنالونها من أعدائكم.
فقوله (ذَرُونا) بمعنى اتركونا ودعونا.
قال الآلوسى : والمراد بالمغانم هنا : مغانم خيبر ـ كما عليه عامة المفسرين ـ ولم نقف على خلاف في ذلك ، وأيد بأن السين تدل على القرب ، وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية ـ كما علمت ـ ، فإرادتها كالمتعينة ، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن الله ـ تعالى ـ وعد أهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر ، إذا قفلوا موادعين لا يصيبون شيئا» (١).
وقد كان رجوع النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه من صلح الحديبية في ذي الحجة من السنة السادسة ، وخروجهم إلى خيبر كان في المحرم من السنة السابعة ، وقد أصاب المسلمون من خيبر غنائم كثيرة ، وقد جعلها صلىاللهعليهوسلم لمن شهد معه صلح الحديبية دون غيرهم.
وقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أى : يريد هؤلاء المخلفون بقولهم (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أن يغيروا حكم الله ـ تعالى ـ الذي حكم به ، وهو أن غنائم خيبر خاصة لمن شهد صلح الحديبية ، أما هؤلاء المخلفون فلا نصيب لهم فيها.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٠١.