يحب المشفق عليه ، ويخاف ما يلحقه. فإذا عدى بحرف «من» فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإذا عدى بحرف «في» فمعنى العناية فيه أظهر.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) تأكيد لإيمان المؤمنين بها ، ومدح لهم على هذا الإيمان.
أى : أن المؤمنين وجلون من الساعة لما فيها من حساب .. ومع ذلك فهم لصدق يقينهم يعتقدون أنها آتية لا ريب فيها ، ويستعدون لاستقبالها بالإيمان العميق ، وبالعمل الصالح الذي يرضى الله ـ تعالى ـ.
ثم وبخ ـ سبحانه ـ الذين يشكون في البعث والنشور فقال : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).
وقوله : (يُمارُونَ) من المماراة بمعنى المجادلة والمخاصمة. يقال : مارى فلان في الشيء يمارى مراء ومماراة ، إذا خاصم وجادل.
أى : ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة خصام شك وريبة ، لفي ضلال بعيد عن الحق ، وفي ذهول شديد عن الصواب ، لأن قدرة الله ـ تعالى ـ لا يعجزها شيء ، ولأن حكمته قد اقتضت أن يجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه رءوف رحيم بعباده فقال : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) أى : حفى بهم ، عطوف عليهم ، يفيض عليهم جميعا من صنوف بره ما لا تحصيه العقول ، ومن مظاهر ذلك أنه لا يعاجلهم بالعقوبة ، مع مجاهرتهم بمعصيته ، وأنه يرزقهم جميعا مع أن أكثرهم لا يشكرونه على نعمه.
وقوله (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أى : يبسط رزقه ويوسعه لمن يشاء من خلقه (وَهُوَ) سبحانه (الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) أى : وهو العظيم القوة الغالب على كل من سواه.
ثم حكى ـ تعالى ـ سنته التي لا تتخلف فقال : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ).
والحرث في الأصل : مصدر بمعنى إلقاء البذور في الأرض ، لتنبت ما ينفع الناس من زرع.
والمراد به ثمرات الأعمال ونتائجها ، تشبيها لها بثمرات البذور.
والمعنى : من كان يريد من الناس بأعماله ثواب الآخرة ، ورضا الله ـ تعالى ـ ضاعف الله ـ عزوجل ـ له الأجر والثواب والعطاء.
(وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) أى : ومن كان يريد بعمله شهوات الدنيا نؤته منها ،