وتسمية العدل بالميزان من باب تسمية الشيء باسم آلته ، لأن الميزان آلة الإنصاف والقسط بين الناس في معاملاتهم.
قال ـ تعالى ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ).
أى : الله ـ تعالى ـ هو وحده الذي أنزل جميع الكتب السماوية لهداية الناس ومنفعتهم ، وقد أنزلها ـ سبحانه ـ ملتبسة بالحق الذي لا يحوم حوله باطل ، وأنزل كذلك شريعته العادلة ليتحاكم إليها الناس في قضاياهم ومعاملاتهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) إرشاد إلى أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله ـ تعالى ـ :.
أى : إن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله ـ تعالى ـ وحده ، وأى شيء يجعلك عالما بوقتها إذا كان مرد علمها إلى الله وحده ، ومع ذلك لعل وقت قيامها قريب.
وقال : (قَرِيبٌ) ولم يقل قريبة ، لأن تأنيث الساعة غير حقيقى ، أو لأن لفظ فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها ، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ..) بيان لموقف الكافرين والمؤمنين من الساعة.
أى : يستعجل الكافرون قيام الساعة ، استعجال استهزاء واستخفاف لجهلهم وانطماس بصائرهم ، أما الذين آمنوا بالله واليوم الآخر. فهم خائفون مشفقون من قيامها ، لما فيها من أهوال وحساب وثواب وعقاب ، ولأنهم لا يدرون ما الذي سيفعله الله ـ تعالى ـ بهم.
فقوله ـ تعالى ـ (مُشْفِقُونَ) من الإشفاق ، وهو عناية مشوبة بخوف ، لأن المشفق
__________________
(١) سورة الحديد الآية ٢٥.
(٢) سورة الأحزاب : الآية ٦٣.