أى : فمن نقض العهد بعد إبرامه وتوثيقه ، فإنما عاقبة نقضه يعود وبالها وشؤمها عليه.
فقوله (نَكَثَ) مأخوذ من النّكث ـ بكسر النون ـ وهو فك الخيوط المغزولة بعد غزلها ، وقوله : (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أى : ومن ثبت على الوفاء بما عاهد الله ـ تعالى ـ عليه فسيعطيه ـ سبحانه ـ من فضله أجرا عظيما على ذلك.
والهاء في قوله : (عَلَيْهُ) قرأها حفص بالضم ، توصلا إلى تفخيم لفظ الجلالة ، الملائم لتفخيم أمر العهد المشعر به الكلام ، وقرأها الجمهور بالكسر.
هذا ، وقد وردت أحاديث متعددة ، تصرح بأن الذين كانوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم في صلح الحديبية قد بايعوا جميعا النبي صلىاللهعليهوسلم على الموت أو على عدم الفرار ، سوى جماعة من المنافقين ، امتنعوا عن هذه البيعة ، لمرض قلوبهم ، وسوء طويتهم ..
ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال : بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم تحت الشجرة ، قيل : على أى شيء؟ قال : على الموت.
وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أنه سئل : كم كان عددكم يوم الحديبية؟ قال : كنا أربع عشرة مائة ، فبايعنا الرسول صلىاللهعليهوسلم على أن لا نفر ـ سوى الجد بن قيس فإنه اختفى تحت بطن بعيره ، ولم يسرع مع القوم ..
وهكذا فاز المؤمنون الصادقون بشرف هذه البيعة وحرم منها المنافقون لمرض قلوبهم.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن المتخلفين ، الذين لم يخرجوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى صلح الحديبية ، فتحكى أعذارهم الزائفة ، وتفضحهم على رءوس الأشهاد ، وترد على أقوالهم الباطلة ، وتأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالإعراض عنهم ، وإهمال أمرهم ، فهم قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ..
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى