أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
أمر الله تعالى أهل عرفان الحقيقة بقتال النفس على السرمدية ، وقطع بنية دواعي البشرية لسلامة صدورهم عند اجتماع همومهم بين يديه ، وترك تجاوز الحد بإهمالها ، والوقوف على حظوظها.
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (١) أي : حاربوا أنفسكم على دوام الرعاية لأوقاتكم بنعت تصفية أحوالكم عن دنس الطبيعة ، وخبث الجبلة ، وإزالة أوصاف البشرية حتى لا يكون وقوع خطرات العدو في ديوان الأسرار يعني صدور الصافية ، وقلوب النقية المنورة بنور الأحدية ، ويكون بعد جمع الهم أسراركم وطنات مكاشفات القربة ، وحقائق الإيمان تستولي على بواطن حقيقة النفوس بنعت انفراد الأسرار بين يدي العزيز الغفار.
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) الإنفاق على ثلاثة أحوال : نفقة الزاهدين ، ونفقة المحبين ، ونفقة العارفين ، أما نفقة الزاهدين بترك جميع الدنيا مع لذاتها لأهلها حتى استمتع بها الأنام ، وبذل نفوسهم لله في أيام الله ، وأما نفقة المحبين فإعطاء ما نالوا من الحق لأهل الحق ، وأما نفقه العارفين فبذل الأرواح في مقام الفناء من وجدان غيرة الحق في أسرارهم ، أمرهم الله تعالى بالإعراض عن الكون مع استطابة أحوالهم بلذائذ المحبة ، والدخول في مقام الإحسان ؛ لأن الإحسان أعلى المراتب من رتبة أهل المشاهدة ؛ أعلمهم الله تعالى ألا ينالوا حقيقة المشاهدة إلا ببذل حياتهم لأهل خالصة الحق ، وأخبر أن مقام الإحسان مقرون بالمحبة ، لأجل ذلك قال تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، ومن فاته الإحسان احتجب عن المشاهدة ، وهلك في قبضة بطش النفس متحيرا في هاوية هواها مصروعا في ورطة هوساتها.
__________________
(١) أي : حتى لا يوجد منهم شرك ، فهو كقوله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله». (ويكون الدين كلّه لله) بحيث تضمحل الأديان الباطلة ويظهر الدين الحق.