لو يسمعون كما سمعت كلامها |
|
خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا |
قال ابن بنان : خالصة من خلقه انتخبهم للولاية ، واستخلصهم للكرامة ، وأفردهم به ، فجعل أجسادهم دنياوية ، وأرواحهم نورانية ، وأذهانهم روحانية ، وأوطان أرواحهم غيبية ، وجعلهم فسوحا في غوامض غيوب الملكوت للذين أوجدهم لديه في كون الأزل ، ثم دعاهم فأجابوا سراعا ، أجاب تركيبهم حين أوجدهم بعد الدعوة منه ، وعرّفهم نفسه حين لم يكونوا في صورة الأنسية ، ثم أخرجهم بمشيئته خلقا ، فأودعهم صلب آدم ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) : فأخبر أنه خاطبهم ، وهم غير موجودين إلا بإيجاده لهم ، إذ كانوا واجدين للحق في عين وجودهم لأنفسهم ، وكان الحق بالحق في ذلك موجودا.
قال الأستاذ : أخبر بهذه الآية عن سابق عهده ، وصادق عقده ، وتأكيده ودّه بتعريف عبده ، وفي معناه أنشدوا :
سقيا لليلى والليالي التي |
|
كنّا بليلى نلتقى فيها |
أفديك في أيام دهري كلّها |
|
يفدين أياما عرفتك فيها |
ويقال : جمعهم في الخطاب ، لكنه فرّقهم في الحال ، فطائفة خاطبهم بوصف القربة ، فعرّفهم نفس ما خاطبهم ، وفرقة أبقاهم في أوطان الغيبة ، فأقصاهم عن نعت العرفان ، وحجبهم.
ويقال : أقوام لاطفهم في عين ما كاشفهم ، فأقرّوا بنعت التوحيد ، وآخرون أبعدهم في نفس ما أشهدهم ، فأقرّوا عن ناس الجمود.
ويقال : تجلّى لقلوب قوم ، فتولى تعريفهم ، فقالوا : بلى عن حاصل اليقين ، وتعزز على الآخرين ، فأثبتهم في أوطان الحجة ، فقالوا : بلى عن ظنّ وتخمين.
ويقال : جمع المؤمنين في السماع ، ولكن غاير بينهم في الرتب ، فجذب قلوب قوم إلى الإقرار بما أطمعها فيه من المبار ، وأنطق آخرين بصدق الإقرار بما أشهدهم من العيان ، كاشفهم به من الأسرار.
ويقال : فرقة ردّهم إلى الهيبة فهاموا ، وفرقة لاطفهم بالقربة فاستقاموا.
ويقال : كاشف قوما في حال الخطاب بجماله ، فطوّحهم في هيجان حبّه ، فأسكنت محابهم في كوامن أسرارهم ، فإذا سمعوا اليوم سماعا ، تجدّدت لهم تلك الأحوال ، والانزعاج الذي يظهر فيهم ، لتذكر ما سلف لهم من العهد المتقدم.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ