على حسب العبارات ومعادن الحق مصونة عن الألفاظ والعبارات.
وقوله تعالى : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ذكرت إن حروف الأسرار كتاب وتصديق ذلك قوله تعالى بعد
قوله : (المص) ، (كِتابٌ أُنْزِلَ
إِلَيْكَ) أي : هذه الحروف (المص) كتاب الأسرار أنزل إليك ، (فَلا يَكُنْ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) أي : لا يكون في صدرك حرج نكرتها وقلّة إدراكها ، أي :
فلا تخف أنك لا تعرف إشارتنا فيها ؛ فإنك مخصوص بعلم لطائفها ، وحقائقها وصدرك محل
البسط بفسخه نور تجلّي جمالي ، فلا يكون فيه خرج القبض ، وتصديق ذلك قوله : (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي : لهذه الأسرار لا يحتمل غيرك أنها لك وأن لك
استعداد فهمها ، فلا يكون في صدرك همّ لأجلها ، فإنها تسهل فهمها عليك.
قال ابن عطاء
في (كِتابٌ أُنْزِلَ
إِلَيْكَ) : عهد خصصت به من بين الأنبياء أنك خاتم الرسل وعهدك
خاتم العهود ؛ لتشرح به صدرك ، وتقربه عينا.
وقال الجنيد :
فلا يكن في صدرك حرج منه لا يضيق قلبك بحمله وثقله ، فإن حمل الصفات ثقيلة إلا على
من يؤيد بقول المشاهدة.
وقال النوري :
إن أنوار الحقائق إذا وردت على السر ضاق عن حملها كالشمس يمنع شعاعها عن إدراك
نهايتها.
قال القرشي :
لمّا قصّ الله في هذه السورة قصة الكليم علم أن قلب النبي صلىاللهعليهوسلم يتحرك ، لذلك قال : (فَلا يَكُنْ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) لأنه كلّم على الطور وكلّمت وراء الصور ، ومنع المشاهدة
ورزقتها.
وقال الأستاذ :
كتاب الأحباب تحفة الوقت وشفاء عمّا يقاسيه من ألم البعد.
وقال في قوله :
(فَلا يَكُنْ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) : إشارة إلى حفظ قلبه عن كل قبض ، وقال : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) ولم يقل قلبك فإن قلبه عليهالسلام في تجلّي الشهود ولذلك قال : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ
صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) [الحجر : ٩٧] ، ولم يقل قلبك ، ولذلك قال موسى عليهالسلام : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ
لِي صَدْرِي) [طه : ٢٥] ، وقال له : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، فإن القلب في محل الشهود ، وهو أبدا بدوم الأنس والقرب ،
__________________