وقال الشبلي : وكنتم أمواتا عنه ، فأحياكم به.
وقال ابن عطاء : كنتم أمواتا بالظاهر ، فأحياكم بمكاشفة الأسرار ، ثم يميتكم عن أوصاف العبودية ، ثم يحييكم بأوصاف الربوبية ، ثم إليه ترجعون عند تحيّركم عن إدراكه صرف الذّات والصفات عن شواهد المعرفة في طلب الحقيقة.
قال فارس : كنتم أمواتا بشواهدكم ، فأحياكم بشواهده ، ثم يميتكم عن مشاهدكم ، ثم يحييكم بقيام الحق عنه ، ثم إليه ترجعون عن جميع ما لكم وكنتم له.
وقال الواسطيّ : وبّخهم بهذا غاية التوبيخ ؛ لأن الموات والجماد لا ينازع صانعه في شيء ، فإنما النزاع من الهياكل الروحانية.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : لاعتباركم وامتحانكم ، حتى يميّز بين الصادق بتركها لوصوله إلى خالقها ، وبين المدّعي بسكونه إليها عن مدبّرها.
وأيضا خلق لكم ما في الأرض جميعا ؛ لتطلبوا في الأشياء خالق الأشياء ؛ لأنه أظهر نفسه في مرآة الكون للعارفين والمحبّين.
قال ابن عطاء : ليكون الكون كلّه لك ، وتكون لله ، فلا تشتغل بما لك عمن أنت له.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠))
وقال بعض البغداديين في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) : أنعم عليكم بها ، فإن الخلق عبدة النعم ؛ لاستيلاء النعمة عليهم ، فمن ظهر للحضرة أسقط عنه بالمنعم رؤية النعم.
وقال أبو الحسين النوريّ : أعلى مقامات أهل الحقائق ، الانقطاع عن العلائق.
وقال ابن عطاء : أحكم التدبير فيهن (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي : كما زيّن ملكوت الأرض بأنوار القدرة للمؤمنين ، قصد إلى تزيين ملكوت السماء بماء العزّة للعارفين.
(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١) : لما لم يعرفوا الله تعالى بحقّ المعرفة ، وعجزوا عن
__________________
(١) جعل آدم خليفة ، وأعطاه حكم الخلافة ، والخليفة لفظة مؤنثة ؛ لأنها محل التكوين ، وبها ظهر الكون ، وهي زبدة مخضة الطبيعة التي ظهرت بتحريك الأفلاك وهي روح اللبن ، فإذا خرج من العالم ، فالعالم يكون كالنفل لا عبرة به ، فافهم.