وقال آخر :
أمّا الخيام فإنّها كخيامهم |
|
وأرى نساء الحيّ غير نسائها |
فمن ذكر الله سبحانه ورأى لذكره موقعا فهو مفتر ولا يعلم ؛ لأنه تعالى وصف نفسه قبل وصف الخلق نفسه ، وكل وصف بعد وصفه صفة الحدوثية ، وكيف يصفه أحد وهو لا يعرفه كما هو يعرف نفسه ، تعالى الله عن أذكار الغافلين.
قال بعضهم : إن ما لا يليق بجلالة قدره ، وحقيقة شأنه قربه ، وإن كان مأذونا فيه ؛ لأن ذلك على أقدار خلقه وطاقتهم لذلك.
وقال سهل بن عبد الله : من ذكر فقد افترى ، قال الله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [الصف : ٧] لأذكار الغفلة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بيّن أن أعمال جميع الخلائق من العرش إلى الثرى مضمحلة عند كشف جلال عظمته ، ونوال جماله لما يبدو لهم أنوار الأزلية ، يتبرأون من جميع أعمالهم ؛ لأنهم يرونها لا تليق بجلال قدره ، ولا يكون موازيا بما يعطيهم الله من سنيات كراماته ، ولطائف برّه ، وحسن مواساته ، وعند رؤية القدم كما كانوا خارجين من العدم.
قال بعضهم : أجل مقام العبد إفلاسه ، والرجوع إليه خاليا من جميع طاعته.
قيل : لأنه [حفص] (١) بماذا تقدم على الله.
قال : وما للفقير أن يقدم به على الغني سوى فقره.
قال الله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) خالين من أعمالكم وأحوالكم وطاعاتكم.
ولي هاهنا لطيفة أخرى : أي : لقد جئتمونا موحّدين بوحدانيتي ، شاهدين مشاهدتي بوصف الكشف والخطاب ، كما جئتمونا من العدم في بدء الأمر حين عرّفتكم نفسي بقولي : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] ، قلتم : بلى ، بلا إشارة التشبيه وغلط التعطيل ، كما وصفهم نبيه صلىاللهعليهوسلم : «كلّ مولود يولد على الفطرة» (٢) يعني : على فطرة الأزل ، يلزم سمة العبودية بلا علّة الاكتساب عند سبق الإرادة ، وزاد تعالى وضوحا في أثناء الآية بقوله : (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ).
__________________
(١) هكذا بالأصل.
(٢) رواه البخاري (١ / ٤٦٥) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٧).