وقال الله تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) فإذا رأى الله سبحانه بوصف المحبة والعشق والشوق ، وذاق طعم الدنو ، واتصف بصفات الحق بدا له أوائل الأمن ؛ لأن في صفة القدم لا يكون علّة الخوف والرجاء ؛ لأن هناك جنة القرب والوصال ، وهم فيها آمنون من طوارق القهر ، وهم مهتدون ما داموا متصفين بصفاته ، وإن كانوا في تسامح من مناقشة الله بدقائق خفايا مكره.
قال ابن طاهر في قوله : (لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ) : لم يرجعوا في النوائب والمهمات إلى غير الله ، (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) الكفايات ، (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) راجعون إلى من إليه المرجع.
وقال الأستاذ : أي الذين أشاروا إلى الله ، ثم لم يرجعوا إلى غير الله.
(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧))
(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩))
قوله تعالى : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (١) الدرجات : المقامات الشريفة في المعرفة ، والحالات الرفيعة في المحبة ، والكرامات الزكية في المعاملة ، وهي بذاتها طريق إلى الله ، فإذا وصل إليه وفني فيه وبقي معه لم يبق هناك درجات ولا دركات ، إنما هناك سباحة في بحار الآزال والآباد للعارفين والموحدين ، أي : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) من المريدين ، ونوصل من نشاء إلينا بلا قطع المقامات ، والسير في الدرجات من العارفين.
وأيضا : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) درجات العشق والمحبة والشوق ، وهي مراقي القرب ، رقّاهم الله بها إليه أبد الآبدين.
__________________
(١) قال ابن عجيبة : رفع الدرجات في جنات الزخارف يكون بالعلم والعمل وزيادة الطاعات ، ورفع الدرجات في جنة المعارف يكون بكبر اليقين ، والترقي في شهود رب العالمين ، وذلك بحسب التبتل والانقطاع ، والتفرغ من شواغل الحس ودوام الأنس ، والله تعالى أعلم [البحر المديد (٢ / ١٦٩)].