الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً
وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦))
قوله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : تطييب لقلوب المريدين ، الذين يطلبون الله بوسائط
الآيات ، وتسلية لقلوب النادمين على ما فات عنهم من أوقات المراقبات بمباشرة
الجنايات ، فأحالهم الحق إلى سلام نبيه صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنهم في مقام الوسيلة ، ولو بلغوا إلى درجة أهل
المشاهدة لأحالهم إلى سلامه بقوله : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ
رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨].
انظر كيف أحب
الرجوع للمذنبين ؛ حيث أمره عليهالسلام بالسلام عليه بقوله : (فَقُلْ سَلامٌ
عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ٥٤] ؛ لأنهم قاسوا مقاساة امتحانه في بيداء قهره ، لمّا رآهم
مقبلين إليه بعد تحملهم بلاياه ، سلّم عليهم بلسان نبيه ، ثم رفع درجتهم من ذلك ،
وواساهم بنفسه ، وروّح فؤادهم بمروحة رحمته السابقة عليهم في الأزل بقوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ) أي : كان في الأزل اصطفاهم برحمته ، وإن علم منهم
العصيان ، رحمته الأزلية أصل ثابت ، والمعصية عارضة من طوفان قهره في طريق الإقبال
إليه والمسارعة في السير إلى وصاله ، فإذا وصلوا إلى معادهم بقيت الأصول ، وفنيت
العوارض ، إذا أحبهم بمحبته الأزلية توجب محبته أن يوصلهم إلى مشاهدته التي هي
رحمته الكبرى ، وأن يخلصهم من غبار الطبيعة ، ويطهّرهم من أدناس النفسانية بمياه
رحمته الكافية بقوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ
مِنْكُمْ سُوءاً) نظر إلى غيره (بِجَهالَةٍ) بقلّة علم على ذوق وصالي ولطف جمالي ، (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) رجع من نفسه إليّ ، (وَأَصْلَحَ) مزار تجلياتي من قلبه ، بأن قدسه من شوائب شهواته.
(فَأَنَّهُ غَفُورٌ) لما سلف من تقصير في أداء حقوقي ؛ بحيث لا أعيرهم بذلك
أجرا.
(رَحِيمٌ) بأن قوّاهم بقوة أزلية ؛ ليحملوا أثقال مشاهداتي بها ،
ولولا ذلك لفني وجودهم في أول رؤية سطوات عظمتي وجلال كبريائي.
قيل في قوله : (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : سلّم أنت على الذين يؤمنون بآياتنا ، فإنا نسلم على
الذين آمنوا بنا بلا واسطة ، وذلك قوله : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ
رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨].
قال إبراهيم بن
المولد : والله إن الحق هو الذي يسلّم على الفقراء ، والنبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك واسطة.
وقال الواسطي
في قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ
عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) : برحمته وصلوا إلى