وقال : لا تلاحظ أحدا ، وأنت تجدّ إلى ملاحظة الحق.
وقال في قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : أن يجعلوا إليّ وسيلة غيري.
وقيل في هذه الآية : إنما تعطى الأطماع بمقاربة صرف الكريم دون السعاية بضياء الهداية.
ويقال : الخوف هاهنا العلم ، وإنما يخاف من علم ، فأما القلوب التي غطاها الجهل ، فلا تباشرها طوارق الخوف.
(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))
قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) بيّن الله سبحانه في هذه الآية تخصيص الولاية بعد تخصيصه النبوة والرسالة ، وصرّح في بيانه أن الولاية اصطفائية محضة كما أن النبوة والرسالة اصطفائية محضة ، لا يتعلقان بسبب من الأسباب من العرش إلى الثرى.
وكما أنه ـ تعالى ـ أحبّ الأنبياء والرسل كذلك أحبّ الأولياء والأصفياء محبة بلا علّة ، وكما أن الله سبحانه خصّ نبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم بالرسالة بغير علّة ، وجميع الخلائق من الجن والإنس والملك كذلك خصّ أصحابه بشرف الولاية بغير سبب من جهته ، ولا جهد من جهده ، وصحة ذلك قوله تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، بل كما سبق في الأزل العناية له بالرسالة ، كذلك سبقت لهم في الأزل الولاية ، كذلك وقعت لهم الصّحبة والموافقة من جهة تلك الأهلية ، اتبعوه وقبلوا أمره ، ووضعوا رقابهم تحت قدمه ، ولولا تلك العناية الأزلية كان حالهم كحال هؤلاء الأعداء ، لكن إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، فمنّ الله على نبيّه عليهالسلام بتأييده ونصر أصحابه له بقوله : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٢] ، ولما بلغ شرفهم إلى هذه المرتبة وصّى الله نبيه عليهالسلام بمراعاتهم ، ورعاية حالهم ، وتربيتهم ، وعاتبه في الآية لأجلهم بقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ...) الآية ، أي : لا تمنع هؤلاء من صحبتك ، ولو كان لحظة لأجل حرصك بإسلام البطالين ، فإن هدايتهم عندي ، و (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) من أقربائك ، (وَلكِنَ