وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦))
قوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) أشار الله سبحانه عن التمثيل والتصوير إلى يد القدم ويد البقاء ، يد القدم اصطفائية الأولياء والصديقين بمعرفته ومحبته ، وذلك كقضاء الإرادة القديمة من القدرة القائمة بالذات إيجاد الصفوة ، فتجلّت القدرة بالمشيئة الأزلية للعدم ، فظهرت من العدم بنور القدم أرواح أهل الولاية ، فقبضتها القدرة ، وأنفقت عليها أنوار المشاهدة ، ورتبها برزق القدرة والوصلة حتى أدخلتها الأشباح وأوصلتها إلى يد البقاء ، قربتها يد البقاء بقربات الأبدية ، ومداناة السرمدية ، ففي كل لحظة يتجلّى لها القدم ألف ألف مرة بتجلّي البقاء لهم في كل لمحة ألف ألف مرة بغير نعت الفترة والانقطاع ؛ لأنه تعالى لا نهاية لجلال قدمه وجمال بقائه.
وأيضا : يد لطفه مبسوطة بالرحمة الواسعة الأزلية لأهل العناية والسعادة ، ويد قهره مبسوطة بالعذاب لأهل الشقاوة ترفع قوما بميزان اللطف ، وتضع آخر من ميزان القهر.
قال عليهالسلام : «يد الله ملأى ، تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يديه ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان ، يخفض ويرفع» (١).
قال الأستاذ : بل قدرته بالغة ، ومشيئته نافذة ، ونعمته سابغة ، وإرادته ماضية.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أشار سبحانه إلى أن لو استقاموا في عملهم بخطاب الله ولم يترسموا برسم أهل الحظوظ لكوشفت لهم أنوار الملكوت في قيامهم لقوة قلوبهم وقوة أبدانهم ، وكوشفت لهم أنوار الجبروت في سجودهم لقوة أرواحهم وقوة عقولهم ، وبيّن أن فيهم أمة مستعدة لقبول هذه الأحوال ، ومع ذلك أخرج الله سبحانه قوما من مقام التوكل ؛ حيث شرط معهم العمل بالكتاب كما شرط على أهل التقوى بقوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٢ ، ٣] ، ولو كانوا على محل التحقيق في المعرفة لأكلوا رزق الله بالله من خوان غيبه ، كأصحاب المنّ والسلوى والمائدة من السماء ، ويفتح لهم كنوز الأرض ، وهم على ذلك بإسقاط رؤية الوسائط.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ
__________________
(١) رواه البخاري (٤ / ١٧٢٤).