مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦))
قوله تعالى : (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) أراد بالسلطان المبين سطوع نور التجلّي من وجهه حتى لا يرى أحد وجهه إلا حارت عيناه من غلبة بهاء الله وعظمته على وجهه ، وأخبر سبحانه عن ذلك النور ؛ لقوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) (١) [طه : ٣٩].
قيل في تفسير الظاهر : ملاحة في عينيه لا يراه أحد إلا أحبه ، وذلك النور أيضا من نور تجلّي الحق الذي ظهر من الشجرة حين سمع خطاب الحق منها ، وذلك قوله تعالى : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [طه : ١٠] ، وكان موسى عليهالسلام من فوقه إلى قدمه برهان الله للعالمين ، وهكذا كل نبيّ ووليّ.
ألا ترى إلى اليد البيضاء والعصا وأعظم البرهان في وجهه عكس التجلّي من جبل الطور على وجهه حتى احتاج بعد ذلك أن يستر وجهه بالبرقع ، والسلطان المبين أيضا إخباره عن الله بكلام الله.
قال بعضهم : قوة عظيمة على سماع المخاطبة من كلام الحق.
وقيل : أعطى سلطانا على نفسه في مخالفتها وهو المبين الظاهر للخلق.
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما
__________________
(١) أظهر الله عليه ميراث علمه قبل العمل ، فأورثه محبة في قلوب عباده ؛ لأن من القلوب قلوبا تثاب قبل الفعل ، وتعاقب قبل الرأي ، كما يجد الإنسان في نفسه فرحا لا يعرف سببه ، وغما لا يعرف سببه [تفسير التستري (١ / ٣٢١)].