قال بعضهم : لا يتعظون بكريم مواعظه ، ويتبعون محاسن أوامره.
قال أبو عثمان المغربي : تدبرك في الخلق تدبر عبرة ، وتدبرك في نفسك تدبر موعظة ، وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة ومكاشفة ، قال الله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) جزاك به على تلاوة خطابه ، ولولا ذلك لكلت الألسن عن تلاوته.
قال السري : أفهم الناس من فهم أسرار القرآن وتدبر فيه.
وقال سهل : تدبر القرآن تفهمه ، ولا يكون التدبر فيه إلا لمن عرف المقاصد فيه ، ونطق بمعنى الحق.
قوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أعلم الحق سبحانه وتعالى أن المتكلفين برسوم العلم يظهرون من أنفسهم بالزّي والمقالة الظاهرة أنهم بلغوا مقام الربانيين ، والذين هم مخاطبون من الله بأسرار القرآن ، المكاشفون بأنوار عجائبه ، ولطف حقائقه ، حين تعرضوا بالأرواح الربانية والأسرار القدوسية ، واستنباط جواهر الأسرار من بحار القرآن ، أي : لو تركوا التكلف ، وألقوا زمام الأمر إلى ملوك المعارف ، وهم أولو الأمر في الملك والملكوت لسمعوا منهم حقائق مفهوم الخطاب ، ولنجوا من مهالك آرائهم الباطلة.
قال ابن عطاء : لو أخذوا طريق السنة وطرق الأكابر في إرادتهم لأوصلهم ذلك إلى المقامات الجليلة من مقامات الإيمان التي هي محل الاستنباط وطرق المكاشفات.
قال الحسين : استنباط القرآن على مقدار تقوى العبد في ظاهره وباطنه وتمام معرفته ، وهو أجلّ مقامات الإيمان.
قال أبو سعيد الخرّاز : إن لله عبادا يدخل عليهم الخلل ، ولولا ذلك لفسدوا وتعطلوا ، وذلك أنهم بلغوا من العلم غاية صاروا إلى علم المجهول ، الذي لم ينصّه كتاب ، ولا جاء به خبر ، لكن العقلاء العارفين يحتجبون له من الكتاب والسنة بحسن استنباطهم ومعرفتهم ، قال الله تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (١).
__________________
(١) أي : يستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم الصحيحة ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها ، وأصل الاستنباط إخراج النبط وهو الماء يخرج من البئر أول ما تحفر يقال أنبط الحفار إذا بلغ الماء وسمى القوم الذين ينزلون بالبطائح بين العراقيين نبطا لاستنباطهم الماء من الأرض ، وقيل : كانوا يقفون من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلمه الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون منه فالمراد